استأثرت جائحة كورونا باهتمام المنظمات والحكومات والفئات الاجتماعية ومختلف وسائل الإعلام في كافة الدول ، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن العالم يواجه أسوأ ازمة صحية ، وقالت بأن فيروس كورونا هو العدو المشترك للبشرية جميعها، ودعت في بياناتها المتعددة إلى تظافر الجهود بين المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والجمعيات الخيرية ومراكز البحث العلمي المتخصصة في علم الأوبئة لمواجهة هذا القاتل الخفي .
و بسبب هذه الجائحة أغلقت المدارس أبوابها ، وتعطلت حركة الاقتصاد ، وتوقفت الأنشطة الثقافية والرياضية المحلية والدولية ، وانعزل الناس في منازلهم. كما أن كثيرا من المقاولات والشركات تعطل العمل بها فأصبحت مهددة بالإفلاس . وقل نشاط كثير من المنظمات الدولية فركنت إلى السبات العميق ، بل إن بعضها أصبح مهددا بالانهيار، ما عدا القليل منها الذي ظل صامدا ، ومن أهمها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ( الإيسيسكو (.
وانطلاقاً من إيمانها بالعمل الإنساني ونبل الأهداف والمصير المشترك في إطار العلاقات الدولية، وبفضل رؤية تدبيرية حكيمة ومتبصرة لمديرها العام الدكتور سالم بن محمد المالك وخبرة فريق عمل متجانس و متميز ، استطاعت الإيسيسكو أن تتحدى أزمة كورونا ، وتواظب على أداء رسالتها الحضارية ، من خلال تنفيذ عدد مهم من الأنشطة في إطار " خطة عمل " متنوعة ومتكاملة شملت عددا من المبادرات. ومن أبرزها الإعلان عن جائزة الإيسيسكو للتصدي لفيروس كورونا لتشجيع البحث العلمي من أجل استكشاف لقاح واق أو علاج ناجع للفيروس ، وجائزة للأفلام القصيرة لتشجيع الشباب على الإبداع الفني من أجل التوعية بمخاطر الفيروس، وجائزة بيان للإلقاء التعبيري باللغة العربية. والإعلان عن التحالف الإنساني الشامل الذي يتضمن مشاريع ميدانية وبرامج تنفيذية وخطط استراتيجية استشرافية للعالم الإسلامي وصندوق لجمع التبرعات. ثم إنشاء بيت الإيسيسكو الرقمي الذي يمثل منصة معرفية لاستضافة المحتويات الرقمية، وبرنامج المجتمعات التي نريد، وبرنامج نفحات إيمانية،وبرنامج أفاق فكرية وثقافية،وبرنامج المساعدات الإنسانية الطارئة،وبرنامج الدعم الفني والمالي للمبادرات التكنولوجية،وبرنامج تطويرومساعدة مبادرات الصحة للجميع . كما تم إنتاج مجموعة من الفيديوهات والمرئيات للتوعية بأهمية الوقاية من انتشار فيروس كورونا ، وانشاء مرصد وسلسلة من الملتقيات الافتراضية حول التحولات الاجتماعية ،واستحداث مركز الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي لإعداد دراسة حول مستقبل القارة الإفريقية ، ودراسة أخرى حول مستقبل العالم الإسلامي لما بعد جائحة كورونا.
ومن أبرز أنشطة الإيسيسكو خلال الأشهر الثلاثة الماضية تنظيم مجموعة من الملتقيات والاجتماعات عن بعد لدراسة واقع مجالات التربية والعلوم والثقافة. ومن أهم هذه الملتقيات المؤتمر الافتراضي الاستثنائي لوزراء التربية ، ، والمؤتمر الاستثنائي الافتراضي لوزراء الثقافة ، والاجتماع الافتراضي للجان الوطنية للتربية والعلوم والثقافة بالدول الأعضاء تحت عنوان: “عالم ما بعد كوفيد-19: أي أولويات عمل وإجراءات من أجل التربية والعلوم والثقافة”. وبحضور رئيس جمهورية بوركينافاسو كضيف شرف ، تم عقد لقاء افتراضي الصحة النفسية وتعزيز الصمود خلال الأزمات ، شارك فيه مفوض الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي، ومجموعة من الخبراء المرموقين في ميدان الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي.
إن ما حققته الإيسيسكو من منجزات بذكاء وفعالية خلال أزمة كورونا هو في الواقع من ثمار الرؤية الجديدة التي شرع الدكتور سالم المالك في تنفيذها منذ تعيينه في مايو 2019 والتي بدأها بترتيب البيت الداخلي للإيسيسكو وفق رؤية جديدة تقوم على التشاور والتشاركية والانصات واتاحة الفرصة لجميع الموظفين على اختلاف رتبهم الادارية للتعبير عن رأيهم حول طرق التسيير و تقديم مقترحاتهم حول تطوير آليات العمل وتحسين اوضاعهم المادية . إضافة إلى في مراجعة اللوائح التنظيمية والمالية للإيسيسكو ومراجعة خطتها الثلاثية 2019 -2021 والخطة متوسطة المدى 2019-2027 ومراجعة هيكلتها واختصاصات الادارة العامة للايسيسكو .
إنه ورش كبير غير كثيرا من الأشياء في منظمة الايسيسكو ، ونقلها إلى مستويات أفضل ، وإلى آفاق جديدة وتطلعات مستقبلية. وبطبيعة الحال فإن هذه التغييرات المبتكرة والجديدة التي تمت في وقت وجيز فاجأت كثيرا من المتتبعين لمسيرة الإيسيسكو وحظيت بتنويه من الدول الأعضاء . كما أنها أفحمت كثيرا من المغرضين أعداء النجاح الذين روجوا معلومات مغلوطة عما يروج داخل الإيسيسكو ، وشككوا بسوء نية في الجهود الكبيرة التي يبذلها فريق من خيرة الأطر والخبراء من مختلف دول العالم الإسلامي بقيادة متنورة واستباقية واستراتيجية لمديرها العام الدكتور سالم المالك .
فعلا تحولت محنة الوباء إلى منحة عطاء في الإيسيسكو خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
_______
بقلم : م. الوادنوني