في إطار أنشطتها النوعية التي نفذتها منذ ظهور أزمة كوفيد 19 ، عقدت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو- بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة يوم الثلاثاء 21 يوليو الجاري ، منتدى افتراضيا عالميا، تحت عنوان “دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات”. وتميزت الجلسة الافتتاحية للمنتدى بكلمة ألقاها كل من الرئيس التشادي السيد إدريس ديبي إتنو، والدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، والشيخ الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، وشيخ الإسلام، الله شكر زادة باشا، مفتي أذربيجان والقوقاز ، والدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور علي بن راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة. وشارك في المنتدى نخبة من الشخصيات العلمية والقيادات الإسلامية التي تتمتع بقيم الوسطية والاعتدال وروح التجديد والنأي عن الخلافات السياسية والمذهبية . وبالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية ، تم عقد ثلاث جلسات علمية متخصصة تدارست ثلاثة محاور رئيسة هي : المبادرات والممارسات الفضلى للمؤسسات الدينية خلال أزمة كوفيد 19، والملامح التجديدية والمستقبلية للفكر الديني وآليات العمل في استثمار مكتسبات الأزمات ومعالجة انعكاساتها السلبية، وآفاق العمل المؤسساتي المشترك بين القيادات الدينية عبر العالم.
وفي ختام أعمال المنتدى تم اعتماد ) إعلان الإيسيسكو للتضامن الأخلاقي) الذي أكد على أن أي نموذج عالمي للتنمية الشاملة والمستدامة ينبغي أن يستند إلى منظومة أخلاقية روحية، انطلاقا من مرتكزين أساسيين، هما ضرورة الأخلاق العالمية، وضرورة حفظ الكرامة الإنسانية . ودعا الإعلان إلى الالتزام بمبادئ أساسية خمسة، هي حق الإيمان واحترام الأديان، و حق الحياة ونشر السلم، و التضامن الإنساني والتعاون في بناء اقتصاد عالمي عادل، و الالتزام بثقافة التسامح في القول والسلوك، ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل. وأبرز الإعلان أنه لتحقيق هذه الأهداف النبيلة والتعاون في بلوغ ثمراتها، لابد من تكثيف جهود القيادات الدينية لتقريب وجهات النظر والمواقف بشأن الطرق الناجعة لمعالجة هذه الأزمات، ومواصلة العمل المشترك من خلال خطة تنفيذية وبرامج عملية وحلول مبتكرة لمخرجات هذا الإعلان، لتقديم الحلول التي تنتظرها دول العالم وشعوبه، بما يحقق وظيفة القيادات الدينية في المدى الحضاري، ويعزز من دور القيم الإيمانية والأخلاقية ومساهمتها في معالجة الأزمات العالمية.
وقد أوصى المنتدى بتجميع وتوثيق مبادرات المنظمات المتخصصة والهيئات المدنية والدينية لمواجهة وباء كورونا المستجد، وفي مقدمتها المبادرات النوعية التي أطلقتها الإيسيسكو، ودعوة الجهات المانحة والراعية إلى تقديم الدعم لهذه المبادرات لتحقيق أهدافها الإنسانية النبيلة. كما كلف المنتدى الإيسيسكو برفع إعلان المنتدى إلى الدول الأعضاء والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بالعمل المشترك ، وبإعداد دراسة شاملة حول موجهات تجديد الفكر الديني الأخلاقي لمعالجة الأزمات، انطلاقًا من مضامين هذا الإعلان وموجهاته ، وبإعداد خطة تنفيذية وبرامج عمل عن دور الأخلاق الإنسانية المشتركة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ودعوة الجهات المتعاونة والراعية إلى تمويلها.ودعا المنتدى مؤسسات التنمية البشرية لإعداد مدونات لأخلاقيات قطاعية في مجال البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، والرياضة، والاقتصاد، والإعلام والاتصال؛ والتدريب عليها، وإدراجها ضمن المقررات والمناهج الدراسية.
كما أوصى المنتدى بصياغة إطار تعاوني لمأسسة القيم الأخلاقية الدينية والإنسانية المشتركة بين السلطات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، وبلورة رؤية إنسانية تضامنية متوازنة لقضايا الهجرة بين الدول المعنية، واعتبارها عنصر إغناء وتنمية بين دول العالم. ودعا المنتدى إلى تحقيق نموذج لمواطنة تستوعب القضايا الوطنية والخصوصيات المحلية والقضايا الإنسانية العالمية، وبخاصة في أوساط الشباب لتمكينهم من القيام بأدوار الوساطة الثقافية ، وتأهيل العاملين في المؤسسات والمعاهد الدينية لتمكينهم من القيام بدورهم في معالجة قضايا الشأن العام، وإدراج التراث الديني والروحي المادي وغير المادي للإنسانية في المقررات والمناهج الدراسية.
خلاصة القول إن ) إعلان الإيسيسكو للتضامن الأخلاقي) يعد وثيقة مرجعية مهمة جدا بالنظر للاعتبارات الآتية :
1- الإعتبار الأول ويتعلق بالجهات التي أصدرت الإعلان، وهي الإيسيسكو ورابطة العالم الإسلامي والمجلس العالمي للمجتمعات الإسلامية . وهي منظمات عالمية استطاعت أن تبصم حضورا متيزا لها منذ ظهور أزمة كورونا من خلال برمجة وتنفيذ حزمة من الأنشطة الميدانية الأكاديمية والإغاثية . فالإيسيسكو بفضل الرؤية الاستراتيجية المتبصرة والاستشرافية لمديرها العام الدكتور سالم المالك ، نفذت عددا مهما من الأنشطة في إطار " خطة عمل " متنوعة ومتكاملة شملت عددا من المبادرات الرائدة . وبقيادة حكيمة من أمينها العام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ،وضعت رابطة العالم الإسلامي " خطة الاستجابة العاجلة لجائحة كورونا" تضمنت تقديم مساعدات كبيرة ومتنوعة لمواجهة الجائحة شملت حكومات في دول إسلامية وغير إسلامية . وفيما يتعلق بالمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة فقد نظم بدوره عددا من الملتقيات والمؤتمرات الافتراضية لمناقشة قضايا تعليمية واجتماعية ذات الصلة بأزمة كورونا بالتعاون مع جهات أخرى.
2- الاعتبار الثاني ويتعلق بتوقيت إصدار الإعلان حيث تزامن مع مرور سبعة أشهر على ظهور جائحة كورونا أو كوفيد 19 ، والارتفاع المهول في عدد المصابين بهذا الوباء وعدد ضحاياه من مختلف الفئات الاجتماعية وفي كل بقاع المعمور حيث خلال انعقاد المنتدى كان عدد المصابين قد تجاوز 15 مليون شخص ، وعدد الموتى بلغ أكثر من 600 ألف . لقد أعلنت منظمة الصحة العالمية منذ شهر مارس الماضي أن الوباء يعد من أكبر الكوارث في العصر الحديث ، وقالت في بياناتها أن العالم يواجه أسوأ ازمة صحية ، كما أكدت أن فيروس كورونا هو العدو المشترك للبشرية جميعها، ودعت باستمرار إلى تظافر الجهود بين المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والجمعيات الخيرية ومراكز البحث العلمي المتخصصة في علم الأوبئة للقضاء على الفيروس الغريب والقاتل بصمت.
3- الاعتبار الثالث ويتمثل في مرجعيات الإعلان حيث تم الاسترشاد بمضامين وتوجهات عدد من الوثائق المرجعية المهمة لعدد من الهيئات الإقليمية والدولية المهتمة بتعزيز قيم التضامن والأخوة الإنسانية . ويتعلق الأمر بالوثائق التالية : ( مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الثقافات وأتباع الأديان وخطتها التنفيذية) و( وثيقة مكة المكرمة ) و ( إعلان مراكش حول حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي ) و( وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك ) و ( مبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات ) و( وثيقة القاهرة للمواطنة ) ثم (إعلان الإيسيسكو والفاتيكان في بوينس إيرس حول تعزيز ثقافة الاحترام والتضامن الإنساني )