لعلً السؤال الذي سأله لنفسه الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز طوال الليالي السبع التي قضاها وهو رهن "الحبس التحفظي" قبل الافراج المشروط عنه ومنعه من السفر: هل أخطأت عندما تركت السلطة طواعية ؟! أو على أقل تقدير هل أخطأت عندما لم أستخدم الكثير من أوراق رابحة أمتلكها لتعديل الدستور والبقاء في السلطة في مواجهة قوة من يرفضون بقائي في السلطة ومن ثم أدخل وطني في نفق مظلم؟!
ولعل السؤال الذي يدور في ذهن كل رئيس عربي الآن يفكر في ترك السلطة طواعية: هل سأنجو من مصير الرئيس الموريتاني السابق لو فعلت ذلك حتى ولو لنائبي أو وزير دفاعي وليس لحزب معارض؟!
وبالتأكيد سوف يسأل الرئيس غزواني نفسه ذات السؤال بعد تسع سنوات وهي أقصى مدة دستورية تسمح له بالبقاء في الحكم!
لا أحد يدافع عن الفساد والفاسدين ولكن يجب أن لا تلقى التهم جزافاً والمتهم برئ حتى تثبت إدانته. ففي حالة الرئيس الموريتاني السابق ثمة أموركثيرة ومريبة في طريقة التعامل معه. كما أنّها لا تليق برئيس سابق ترك السلطة طواعية، ومنها التضييق عليه في إقامة المؤتمرات الصحفية وهو حق دستوري لأي مواطن ليس فقط لرئيس سابق. كذلك التضييق عليه في نشاطه السياسي سواء أكان إنشاء أو شراء حزب سياسي . فكل هذه الأمور تثير الشّكوك في حيادية محاكمته. خاصة أن كثير من الذين يريدون محاكمته اليوم كانوا أعمدة سلطته بالأمس. ولو أفسد فلن يمكنه ذلك من دونهم!
فما هي الرسالة المطلوب إرسالها من كل ما يحدث بحق الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية ؟! الحقيقة هي رسالة سلبية جداً سواء أكان على الصعيد الوطني أو الصعيد الأقليمي الأفريقي والعربي .
ربما أخطأ الرئيس عزيز عندما أطاح بالرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبدالله المنتخب ديمقراطياَ بانقلاب عسكري قاده مع الرئيس الحالي محمد ولد غزواني في أغسطس 2008 . ولكن بتركه الحكم طواعية وعدم عبثه بالدستور وإدخاله موريتانيا في صراعات شفع له كثيراَ. وربما كان له كثير من السقطات أو حتى التجاوزات طوال سنوات حكمه العشر. ولكن لا شك أنه كان له الكثير من الإنجازات تحسب له، أهمها: القضاء على الإرهاب والنقلة النوعية نوعاً ما في مواجهة الفساد. بالإضافة إلى الوضع الإقليمي الجيد الذي حظيت به موريتانيا طوال سنوات حكمه .
إن قيمة التسامح التي بنى عليها الزعيم الجنوب أفريقي الراحل، نيلسون مانديلا مشروعه مع إحياء القيم الوطنية، هي التي وضعت وطنه في هذه الوضعية المتقدمة. ولو كان قد التفت بدلاً من ذلك إلى الانتقام، لكان قد غرق بوطنه مثل كثير من الدول الأفريقية التي سارت على هذا النهج.
ورغم ذلك لا أحد يطلب عدم محاسبة الرئيس السابق إن كان قد أخطأ شريطة أن تكون محاكمته أولاَ عادلة ولا يغلب عليها الطابع الإنتقامي. ثانياً أن تكون محاكمة موضوعية بمعنى أن لا يتحمل الرئيس السابق وحده عشرات السنوات من الفساد الّتي أغرقت البلاد ونهج خاطئ في الحكم. والنظرة إلى الحاكم بصفة عامة اعتادت عليه المنطقة العربية بأسرها وليس موريتانيا وحدها.