الإعلان اليوم عن جائزة رئيس الجمهورية لحفظ ودراسة المتون المحظرية ، خطوة إيجابية كبيرة في ترسيخ الذكاء الطبيعي لأجيال بلاد شنقيط ، وتعميق الهوية الثقافية الحضارية الأصيلة لأرض المنارة والرباط وبلاد المليون شاعر.
إنها علامة بارزة على تقدير وتكريم هذه الجامعات البدوية المتنقلة ، التي شكلت ولا تزال مشكاة مضيئة لموريتانيا بين الأمس واليوم في كل زمان ومكان وبلا حدود ، كقنطرة لمد الجذور والجسور بين اهل هذه الربوع ومختلف حواضر العالم العربي والإسلامي في المشرق والمغرب.
لقد انطلق ركب الشناقطة العظيم من هذه الحصون العتيدة ( المحاظر ) ، حاملا إشراقات لغة الضاد ، وأطياف الشعر والبيان والتبيين ، مع مختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أهم قلاع العلم والمعرفة في بلاد الحرمين والأزهر الشريف ، وأهم حواضر المغرب العربي وإفريقيا والعراق وتركيا وغيرها ، مجسدا أصالة هذه الربوع في أبعادها العلمية والروحية والصوفية الناصعة .
إن هذه الجائزة اليوم لطلاب وأعلام المحظرة الشنقيطية باسم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ، هي نهج آخر جديد في المصالحة مع الذات ، واحترام منظومة القيم الدينية والثقافية الكبرى المشكلة للوجدان المشترك تاريخيا واجتماعيا وجغرافيا بين الموريتانيين ، باعتبار المحظرة المحروسة هي رمز الوحدة الوطنية الحقيقية وإشراقة الألواح والأرواح في رحابها الواسعة الصافية الزلال فوق هذه الرمال
فشكرا لفخامة رئيس الجمهورية ، فقد أحسن صنعا برورا بشغف الآباء والأجداد ، وسيرا على خطى ركبهم الميارك الذي قال عنه يوما العلامة المختار ابن بون الجكني :
ونحن ركب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون
أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة بها نبين دين الله تبيانا
نعم إن إعلان جائزة رئيس الجمهورية لحفظ ودراسة المتون المحظرية اليوم ، يجب اعتماده ابتداء من تاريخ هذا اليوم عيدا وطنيا للمحظرة يحتفي بعطائها العلمي والثقافي في موسم الخصب وانشودة المطر ، عندما يهيم طالب المحظرة شوقا إلى دبيب تلك المتون والعلوم في شغاف روحه بين تلك الأشجار والخيام والوهاد مستنشقا عبق هذه الأرض الطيبة وهم يردد قول الشاعر محمد ابن حنبل الحسني :
عم صباحا افلحت كل فلاح فيك يا لوح لم أطع الف لاح
انت يا لوح صاحبي وانيسي وشفائي من غلتي ولواحي
بكل لا بالثرى كلفت قديما ومحياك لا وجوه الملاح
هنيئا لجيل المحظرة ، فقد وجد اليوم رئيسا يعرف مكانته الحقيقية في بناء الشخصية الموريتانية ، ويقدر بجلاء ولفتة كريمة كل مخرجات هذه الدوحة العلمية الوارفة الظلال عبر العصور سبيلا إلى مزيد من تأكيد رسالة بلاد شنقيط في نشر قيم المحبة والتسامح والنهوض بتراثها الثقافي العريق ، الذي ظل باستمرار خير سفارة لها هنا وهناك
هنيئا أيضا لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي العلامة الداه ولد سيدي ولد اعمر طالب ، فقد ازدانت قافلته الذي تغذ السير على درب الشناقطة الرواد ، بحلقة مضيئة ومتميزة من بشائر تعهدات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الإبن البار للمحظرة ولموربتانيا القيم والعلم والمعرفة ، موريتانيا لا شرقية ولا غربية ولكن راية رفرافة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
____________________
بقلم : سيدي ولد الأمجاد
شاعر وكاتب صحفي
مستشار وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان