من المسلًمات أنه لا يمكن أن تُدار الدول بالارتجال، ومن غير المقبول أن يبقى بلدنا في نفس الدوامة رغم ما يزخر به من مقومات اقتصادية هائلة،.. مشاريع بالجملة، واستثمارات هائلة تذهب في الغالب أدراج الرياح، بسبب غياب أبسط مقتضيات الشفافية، ودون الأخذ بالاعتبار دراسة الجدوائية ومدى تطابقها مع الحاجيات، خصوصاً منها ما يتعلق البرامج الوطنية ذات النفع العام.
وبما أن البلاد تشهد حالياً نقلة نوعية في إدارة الشأن العام، من حيث التبصر والتروًي، إلا أنه ما تزال عند المواطن الموريتاني ميزة التسرٌع وطابع الاستعجال حتى في القضايا الكبيرة والمعقدًة، دون أن يفهم بالأمر بات مختلف باختلاف من يتولون صنًاعة القرار..
كما يبدو أن العديد من الملاحظين وصناع الرأي، لم يفهموا بعد تفكير الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وخاصيته في أخذ القرار وإصدار التعليمات؛ فهو ممن ليسوا في عجلة من أمرهم، يخطو بثبات نحو الهدف المنشود متجنباً المطبًات حتى يصل إلى مبتغاه؛
منذ أن تولى الرئيس غزواني مقاليد السلطة، وضع نصب عينيه برنامجا طموحا يأخذ في الحسبان "الأوليات" كمرتكز لبدإ خطواته الإصلاحية في مختلف المجالات، خصوصا في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، لبلد أنهكه الفساد والغُبن وغياب الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وأمن. ضمن برنامج سياسي طموح شخصَ معضلات البلد وأوجد لها حلول ناجعة ودائمة.
وعلى غرار الخُطط والاستراتجيات الإستباقية التي وضعتها الحكومة، للتخفيف من معاناة المواطنين، انطلاقاً من سيول كيدي ماغا العام الماضي، مرورا بالتغلًب على جائحة "كورونا" التي غيرت وجه العالم، وصولاً إلى معالجة مخلفات الأمطار في مناطق من الحوضين واترارزة، واصلت الحكومة عملها وفي صمت ـ على غير العادة ـ للسيطرة على الإختلالات البنيوية التي شهدها الاقتصاد الوطني والتي وصل بعضها حدً القضاء نهائياً على مؤسسات عمومية وإفلاس شركات حيوية كانت تساهم في الناتج الوطني وتوفر آلاف فرص العمل؛ فيما تمً وخلال فترة وجيزة إعادة النظر في بعض الاتفاقيات والتخفيف من الدًين الخارجي.
كان إعلان رئيس الجمهورية في خطاب موجه إلى الأمة، إطلاق برنامج اقتصادي متكامل يحمل اسم "الإقلاع"، بتمويل ذاتي من الدولة الموريتانية ناهز 240 مليار أوقية قديمة، باكورة عمل جاد واستيراتيجية تنموية بعيدة المدى، تعكسُ مضامين برنامج سياسي ضخم يعيد لموريتانيا هيبتها ويوفر لشعبها العيش الكريم.
ولم يتوقف الرئيس عند هذا الحد، بل شدد على أن نجاح البرامج التنموية الكبرى "لا يتوقف فقط على أداء الجهات والهيئات الرسمية، المسؤولة عن التنفيذ الميداني، بل يتطلب كذلك مواكبة من المواطن بحكم كونه الغاية الأولى لهذه البرامج."
إن دعوة رئيس الجمهورية، لكافة القوى الحيًة من، أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام، إلى أن تلعب دورها كاملا في الرقابة والمتابعة والتقييم، هو خطاب مختلف وأسلوب جديد في إرساء القواعد المؤسسية لحكامة قوية وفعالة، لرجل يسعى لأن يضع بلده في مصاف الدول التي تستثمر في أبناءها وتعطي لكل ذي حق حقه. ويتضح ذلك من خلال حجم ما يجري تنفيذه من مشاريع وبرامج تهدف في الأساس إلى مكافحة مختلف أشكال الغبن والهشاشة، وتأمين ولوج الجميع إلى الخدمات الأساسية، ودعم المنظومة الصحية والتعليمية، وكذلك ترسيخ الوحدة الوطنية وتدعيم اللحمة الاجتماعية، وتهدئة الحياة السياسية، إضافة إلى بناء دولة القانون والحريات، وإرساء قواعد الحكامة الرشيدة.
وبما أن جائحة كورونا، أبانت عن ضعف "هيكلي" في منظومتنا الاقتصادية، و الحاجة الماسة إلى تعزيز دور الدولة، في تنظيم الاقتصاد وتوجيه الاستثمار وتنمية القطاعات الإنتاجية بما فيها الركيزة الاقتصادية الأهم "القطاع الخاص"، فقد كان لقاء الرئيس بممثل أرباب العمل، شروعاً فورياً في انطلاق المشروع و بإشراف من رئيس الجمهورية شخصياً وفي ما يتعلق بالحكومة مثًل برنامج الوزير الأول المهندس محمد ولد بلال، مسايرة قوية لكل الجهود التي بُذلت من أجل "انتعاش اقتصادي" يقوم على أسس سليمة تعالج الآثار السلبية وتتغلب على تحديات و إكراهات ما بعد كوفيد 19.
إن خطة "الإقلاع" الذي ينطلق من محاور أساسية أبرزها: تعزيز البنى التحتية الداعمة للنمو؛ تعزيز قدرات القطاعات الاجتماعية ودعم الطلب؛ ترقية ودعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي؛ دعم القطاع الخاص المصنف وغير المصنف؛ مكافحة التصحر والجفاف ودعم فرص التشغيل، يعدٌ إقلاعاً بحق عن المشاريع النًمطية والوهميًة التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، وما يعزز من قيمته كمشروع وطني شامل، هو كونه تمويل ذاتي من الدولة الموريتانية رغم الغلاف المالي الضًخم.
*الموضوع الرئيسي لعدد "السفير" رقم: 1172؛ الصادر اليوم الاربعاء 17 سبتمبر 2020