من الغريب أن تكون موريتانيا، وهي من بين الدول التي اشتهرت بالثقافة بشتى أنواعها (أدب، فن، و مسرح)، وظلً أهلها سفراء الكلمة والفكر نهل من علمهم القاصي والداني، دون أن يكون لذلك أية مكانة في الهرم الإداري؛ على الأقل.
مُعظم الدول تهتمٌ بموروثها الثقافي، وتحتفي برموز حافظوا على ذلك الموثوث، وكانت لهم لمساتهم في إثراءه وتنويعه، فوجدوا من حكوماتهم العناية والتقدير اللاًزمين، بإستثناء موريتانيا، التي طالما قتلتهم أحياءًا ولم تفهم لهم قيمة إلا بعد رحيلهم، ولكم في الراحلة، ديمي والأب سيداتي، وذاكرة الأدب الشعبي محمذن ولد سيد ابراهيم والأيقونة بوكي ولد أعليًات، مثالاً على تهميش من تميزوا في مجالات ثقافية ترفعُ لها القبعة حتى في بلدان ليس لها تاريخ يُذكر.
أليس من العيب مثلاً، أن لا يكون في بلاد المليون شاعر، ميادين ثقافية وأندية فكرية ترعاها الدولة، ليقصر المجهود الفكري المتدفق لأبناء شنقيط، على مبادرات فردية لا تصمدُ طويلاً، ولا تمكًنُ من المشاركة في منتديات ومؤتمرات ترفع علمنا في المحافل الدولية؟!..
أو أليسَ من الفاضح أن تشاهد الموسوعة الأدبية والشاعر الكبير محمد الحافظ ولد أحمدو، وهو يتجول وحيداً في الشوارع، يبجثُ عن قوت يومه، وهو ثروة قومية لا تقدر بثمن، ألا يعتبر تهميشه إساءة للبد ولأهله؟.. والحال نفسه مع الديبلوماسي والباحث إسلمو ولد سيد احمد المقيم بالمملكة المغربية، و الأستاذ السًني عبداوه والشاعر الكبير بون عمر لي، وغيرهم من الشخصيات التي تربًت الأجيال على حناجرهم الدافئة وثقافتهم الواسعة، دون أن يلقوا اهتماماً يُذكر أحرى أن يحظوا بالتوشيح في المناسبات الوطنية..؟
لقد حاولت وزير الثقافة السابقة هندو بنت عينينا، أن تقنع أصحاب القرار، بأهمية المجلس الأعلى للثقافة، كهيئة تُشرف على الموروث المادي لهذا البلد، وتساهم في تنظيم الساحة الثقافية وإثرائها بالمؤلفات والنشر في شتى المجالات، وكإطار نخبوي ينمي المواهب ويمنح الأوسمة للمتميزين، تشجيعاً لتنمية العقول ونفضِ الغبار عن موروث أمًة أخذ منه النسيان ما أخذ، لكن كل محاولتها النبيلة كانت في مهبً الريح ولم تلقَ أي اهتمام، ليظلً قطاع الثقافة يُدار بنفس الرعونة والفوضويّة التي كان عليها، رغم كون الثقافة هي بطاقة التعريف الوحيدة للشعب الموريتاني.
على رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الغزواني، أن يعطي تعليماته بالاهتمام بالثقافة وأهلها، وأن يرفع من شأن المثقفين و سدنة الفكر، فالأمم التي لا ترفع من شأن عُقولها لا تحترم نفسها، ولن تنتظر احترام الآخرين طبعا، ومن شأن إنشاء مجلس بقيمة المجلس الأعلى للثقافة والتراث أن يمنح المهتمين بالمجال ثقة إضافية ويعطيهم الفرصة للمزيد من البذل والعطاء.
ختاماً:
تهتم المجالس العليا للثقافة في مختلف بلدان العالم، بجميع الشؤون الخاصة بالثقافة، فمن أنشطتهم على سبيل المثال لا الحصر: تنظيم عدة مؤتمرات وندوات محلية وإقليمية ودولية، لمناقشة قضايا الفكر والثقافة والفن والأدب، والتواصل الفكري بين المبدعين والمفكرين الوطنيين والعرب والأجانب، كما تحتفي المجالس العليا للثقافة، في احتفاليات كبيرة برموز الأدب والإبداع والفكر.
______
*السفير