اللهجات ظاهرة لغوية موجودة في كثير من اللغات، لا سيما الكبرى، واللهجات العربية تختلف من قطر عربي لآخر، وقد يصعب التفاهم بها بين العرب، ومع ذلك فإن بعضها، كالمصرية مثلاً، أكثرُ انتشاراً في الدول العربية بفضل الأفلام والأغاني المصرية.
يستطيع الموريتاني أن يفهم اللهجة الخليجية أكثر مما يفهمها السوري أو المصري الذي لم يتعلمها، واللهجتان الجزائرية والمغربية متقاربتان، لذلك يستطيع الناطق بإحداهما أن يفهم حديث الآخر بسهولة، بينما يجدان بعض الصعوبة في التفاهم مع الناطقين باللهجة الحسانية (الدارجة الموريتانية، نسبة إلى قبائل بني حسَّان العربية)، فموريتانيا «جزيرة لغوية» ـ إن جاز التعبير ـ في شمال إفريقيا.
والحسَّانيَّة أقرب إلى اللهجة الخليجية منها إلى لهجات المغرب العربي الأخرى، ولعل السبب هو أن الحسانية لهجة كانت مستخدمة في جزيرة العرب نحو القرن الثامن الهجري، الـ14 ميلادي، وظلت مستعملة في موريتانيا حتى اليوم، بعيدة نسبيّاً من المؤثرات الأجنبية.
لكن الهوَّة بين اللهجات آخذة الآن في الضيق بفضل الفضائيات ووسائل الاتصال الرقمي، ولا بد هنا من التنبيه إلى شيء مهم، وهو أنَّ اللهجات العربية غنية بالألفاظ الفصيحة التي نظنها بادئ الرأي غير فصيحة، لكنها في الحقيقة عريقة في الفصاحة، نبيلة النسَب.
ففي سياق الحسانية، مثلاً، يقال إن سَدُّوم ولد إنْجَرْتُو المتوفى نحو (1227هـ / 1812م)، وهو أحد رُوَّاد الشعر الشعبي والموسيقى الموريتانيين، كان إذا أعياه معنى كلمة في الحسانية نَقَّب عنها في القاموس المحيط فوجدها راقدة فيه منذ قرون، بعد أن هجرتها الفصحى وترفَّعت عنها تاركة استعمالها لابنتها الحسانية، وهذه الظاهرة موجودة في كل العاميَّات العربية.
وأتذكر أني قبل سنوات كثيرة سألني أحد الإخوة العرب عن معنى كلمة «الدَّحْمِيس» في اللهجة الموريتانية، فقلتُ له: «الدَّحْمِيس: بالحسانية: الأصيل، أي آخر النهار عندما تبدأ ظلمة الليل، ولعلها فصيحة».. قلتُ له ذلك اعتماداً على مقولة الشاعر المشار إليه، ثم نظرتُ في لسان العرب، فوجدت ما يلي:
«دَحْمَسَ اللَّيْلُ أَظْلَمَ وليلٌ دَحْمَسٌ مُظْلِمٌ».
والشيء الجميل في اللهجات العربية هو أن كل قطر عربي يزعم أن لهجته أقرب إلى الفصحى من اللهجات الأخرى، وهذه أحكام عاطفية غير علمية، لكنها دليل على ارتباط العرب بالفصحى، وعلى حرصهم على بقاء لهجاتهم مرتبطة بها.