إن غياب البعد الإستراتيجي في البرامج و القرارات الحكومية هو القاسم المشترك والسمة البارزة التي تميز حكومات الحلول الترقيعية والمؤقتة وإرضاء الجميع من أجل الإجماع.
وليس الأخذ بعين الإعتبار للبعد الاستراتيجي في القرارات والبرامج الحكومية بالسهل المتاح بل يتطلب الإرادة والرؤية والقدرة على الصمود في وجه المصاعب المحتملة لأنه في الغالب ليس له بالضرورة وقع مباشر يمكن استغلاله سياسيا ولكنه ضروري في مسيرة بناء الدول. وفي المقابل، فإن غياب هذا البعد مكلف بل ويستحيل بفقدانه الخروج من الواقع الذي نعيشه.
وفي هذا السياق، هناك بعض التساؤلات المشروعة بخصوص رخصة الجيل الرابع التي تم منحها مؤخرا.
ماذا ستستفيد التنمية من هذه الصفقة ؟
في مجال التعليم مثلا، هل فرض دفتر الالتزامات قواعد انتشار تلزم شركات الاتصال بتغطية كاملة للخارطة المدرسية تمكن المدرسة 'الجمهورية' من الاستفادة من شبكة الانترنت؟ ام أن السلطة ارغمتها الشركات على التقيد بالمدن والتجمعات المربحة لها، ولها الحق في الدفاع عن أرباحها؟
ألم تستفد حكومة كورونا من الدرس وتدرك أنه لابد من إيجاد حلول مستقبلية لمعضلة التعليم عن بعد وانه اذا ماقدر لنا أن نعيش تجربة مماثلة أو عاد نفس الوباء بصيغة جديدة فإنه سيتعطل التعليم على عموم التراب الوطني من جديد؟
وهل تعلم حكومة كورونا أن ملايين التلاميذ والطلبة في الدول المجاورة يدرسون اليوم عن بعد وانهم اكتشفوا حلولا جديدة في مجالات التربية وانه تم ترشيد المليارات؟
ويمكن إسقاط نفس الأسئلة وطرحها في مجال الصحة والإدارة وإدارة الأعمال وفي مختلف القطاعات الحيوية.
اين التعايش الذي اجمع العالم على ضرورته ام أنهم يحسبون أنه مجرد مفردة من مفردات تعهداتي يمكن الاعلان عنها اليوم ونسيانها يوم غد؟
هل تم نقاش ودراسة الموضوع على شكل موسع وهل شاركت فيه مختلف القطاعات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ام أن الصفقة أبرمت بليل؟
هل تمت التضحية بمبدا "التنافس" في هذه الصفقة، لصالح "الإجماع التجاري" لصالح الشركات الثلاث بالنظر إلى ضآلة مداخيل الدولة مقارنة بدول أخرى؟
ثم وقبل كل شيئ، متى تقدر حكومة كورونا وصول الجيل الخامس الينا ومتى سيصبح ضرورة يجب التعامل معها ؟
أدرك جيدا أن الرجعيين سينهالون علي بانتقادات من قبيل دعنا يامحمد من الجيل الخامس، هذا حلم بعيد المنال ومن الخيال التطرق اليه، إلا أن الإجابة على هذا السؤال محدد أساسي في صفقة الجيل الرابع وفي هذا الوقت بالذات.
ماهي الشركة العالمية التي ستقوم بتزويدنا بالبنى التحتية التكنولوجية الضرورية؟ وما هي افق التطور التي تمتلك تلك الشركة العالمية ؟
ام أن كل هذه الأسئلة غير مهمة وان الأمر لا يعدو كونه عملية خصم لمليارات من جيب المواطن الفقير المتعطش لقوة تدفق اعلى، وتبديدها في عنوان جديد من تعهداتي والباقي سيسكن جيوب من يمتلكون هذه الشركات؟ أعتقد ذلك.