برحيل المغفور له بإذن الله محمد يحظيه ابريد الليل ، يترجل فارس من فرسان المشهد السياسي الوطني.
و يُشكل هذا الغياب علامة فارقة في تاريخ البلد. كان محمد يحظيه ابريد الليل يحتل دون منازع مساحة سياسية مرموقة. لم يستطع اي زعيم سياسي آخر الوصول الى نفوذ مماثل لما كان يتمتع به محمد يحظيه على تياره الفكري.
وخلال عقود عدة، ظل منبعاً للأفكار و ملهما و مأثراً و مرجعاً لمناصريه. وقد أثر لفترة طويلة على حوار الأفكار و الصراع السياسي في البلد.
و فضلا عن هذا البُعد السياسي، يعد محمد يحظيه ول ابريد الليل من كبار الطليعة الثقافية في البلد. ولهذا البعد مزيةُ انه كان اكثر تراضيا. ظلت كتاباته مبتغى الجميع، يدرسونها ببالغ الشغف مهما كان إتجاههم السياسي او الثقافي. لقد ترك رحيله فراغا يصعُبُ سَدُهُ ونأسف جميعا على نضوب هذا المعين من الإنتاج الثقافي والأدبي.
ظلت علاقاتي مع محمد يحظيه رغم تباين آرائنا يطبعها التقدير والإحترام المتبادل. و تضاعفت مُأخرا لقاءاتنا وقد يكون مردُّ ذلك ظاهرة أزمة الإيديولوجيات في القرن الماضي و إخفاق الجمود و الطائفية. و تَبرُزُ عموما إتجاهات مماثلة في صفوف الطيف السياسي في الأغلب منه. تولد لديّ اثر لقاءاتنا المتعددة الأخيرة انطباعٌ بأنه يحمل إهتماما كبيرا بحاضر و مستقبل البلد في مجمله. و بمقاربة اقل عقائِدية و اكثر برغماتية و أكثر شُمولية ، يتهيأُ لي انه إعتمادًا على جاذبيته و تأثيره و سلطته المعنوية، يمكن لمحمد يحظيه ول ابريد الليل ان يساهم بفعالية أكثر في إنفراج العلاقاة بين أهم الفاعلين السياسيين في البلد، و يُشكل مثل هذا الإنفراج شرطا لا غنى عنه لتنظيم المشاورات في جوٍ اكثر هدوءً و اكثر تراضٍ يُفضي الى وضع أسس أمةٍ أكثر توحدًا و أكثر حداثةً و أكثر إخاءً. و للأسف جاء رحيلُ محمد يحظيه في وقتٍ مبكر ليُعطِّل هذا المسار. كلنا أمل ان نرى هذه الفعالية تتواصل خدمةً لعُمُومِ البلد.وإنا لله وإنا إليه راجعون.