لعل الوصف الأمثل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي انتهت ولايته رسمياً منذ أيام قليلة، هو الطائر المذبوح. وذلك بعد خسارته انتخابات الرئاسة الأخيرة أمام مواطنه جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي وفشله في إثبات أية عملية تزوير قام بها بايدن. وقد رفضت المحاكم الأمريكية ستين طعناً قام به ترامب ضد فوز بايدن.
وقد كانت المكالمة التي أجراها مع كبير موظفي الانتخابات بولاية جورجيا وطلبه منه تدبر ما يقارب اثنتي عشر ألف صوت لإبطال الانتخابات في الولاية، على حسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست وتداولتها وسائل الاعلام العالمية في الأيام الأخيرة على نطاق واسع، ما هي إلا محاولات يائسة لطائر مذبوح للبقاء على قيد حياة البيت الأبيض. فتنوعت أساليبه مع الموظف الكبير ما بين الإطراء والتوسل والتهديد! وكلها أساليب توحي أنه كان قد اقتنع رسميا أنه في هزيعه الأخير في البيت الأبيض.
وستنضم هذه المكالمة إلى سلسلة سقطاته التي منها مكالمة الرئيس الأوكراني فلادومير زيلنسكي منتصف العام الماضي وطلبه منه بصورة مباشرة فتح تحقيقات مع ابن المرشح الديمقراطي المحتمل في ذلك الوقت جو بايدن الذي شغل منصب عضو مجلس إدارة إحدى الشركات في أوكرانيا تزامناً مع تأخير مساعدات عسكرية كانت مقررة لأوكرانيا في نفس التوقيت. وهو ما تسبب بمحاولات عزله من قبل الكونجرس الأمريكي.
لكن في الأخير رحل ترامب بكل أريحية وبوضع طبيعي، رغم ما عرف بأحداث الكابيتول واقتحام الكونجرس الأمريكي التي أراد فقط من خلالها أن يثبت أن لديه أنصاراً قادرين على فعل أشياء محددة. واستغلها الديمقراطين أحسن أستغلال بمحاولة عزله للمرة الثانية ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي يتعرض لمحاولة للعزل مرتين. ولكن هدف المرة الثانية الأساسي ليس عزله فهو على أي حال لم يكن يتبقى له سوى أيام معدودة في السلطة. إلا أن هدفها الحقيقي هو منعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
رحل ترامب رغم نجاحاته وهو الرئيس الأمريكي الوحيد في الألفية الجديدة وعقد من الزمان قبلها الذي لم يشن أي حرب مباشرة على أي دولة بل على العكس عمل على سحب الكثير من القوات الأمريكية المتمركزة في عدة نقاط حول العالم ولكنه أخذ ما يريد من الدول بحنكة وذكاء .
رحل ترامب بعد أن أعطى لإسرائيل الكثير والكثير. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، في سابقة تاريخية. وغض الطرف عن انتهاكات اسرائيل المتكررة في الأراضي الفلسطينية وعمل على تطبيع علاقتها مع العديد من الدول العربية.
رحل ترامب وللأسف الشديد بعد أن أعطى لساكني البيت الأبيض لعقود قادمة مفاتيح جديدة في طريقة التعاطي مع الدول العربية وجميعها في غير صالح هذه الدول.
لعل الدرس الوحيد من رحيل ترامب المفاجئ مثلما كان قدومه للبيت الأبيض مفاجئ أيضاً، هو أنه مهما كنت خارقاً وتمتلك مهارات في الإدارة، إلا أنك إذا كنت فظاً ولا تحترم القيم الإنسانية، سيكون مصيرك كمصير ترامب الذي عادى الجميع دون استثناء: الصينيون والمهاجرون والسود والإسلاميون وجيرانه. حتى الصحافة ووسائل الاعلام في بلده لم تسلم من عداوته!