لبنان الوطن والعدو الأشرس: الفساد! | صحيفة السفير

لبنان الوطن والعدو الأشرس: الفساد!

خميس, 25/02/2021 - 16:55
د. أماني سعد ياسين

سياسيون فاسدون وقضاة فاسدون هم للأسف عنوان المرحلة اليوم في لبنان.

منذ أشهر عدة والى الآن وبالتحديد أشهر ستة اهتزت العاصمة اللبنانية بيروت بانفجار هو من بين الأضخم في العالم ، وبعدما توقّع الجميع أنّ هذا الانفجار الكارثة سوف يقلب الطاولة على الجميع وسوف يغيّر الواجهة السياسية برمّتها في لبنان فوجئ اللبنانيون والعالم أجمع بالقدرة المطّاطية الخيالية لهذه الطبقة السياسية الفاسدة على التكيّف والتأقلم مع كل المفاجآت والمعطيات والظروف القاهرة جداً وخصوصاً أنّ هذه الظروف القاهرة هي قاهرة فقط للشعب اللبناني على اختلاف طوائفه ومذاهبه فيما زعماء المذاهب والسياسيون يتربّعون في بروجهم العاجية ينظرون من عليائهم إلى الشعب اللبناني وهو يتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى منذ اكثر من عام والى الآن نتيجة إهمال وتآمر هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تكاتفت وتعاضدت في سبيل حماية مصالحها وفي سبيل تحقيق المكاسب وتقسيم الغنائم بينها وذلك من خلال سلب حقوق الشعب اللبناني ومن خلال الاستقواء على الآخر في الوطن وكل ذلك على حساب الشعب اللبناني برمّته وعلى حساب البلد . وحقيقةً، لا يمكن وصف هذه الطبقة السياسية من أعلى الهرم إلى أسفله إلا بأنها أسوأ وأكثر طبقة سياسية فاسدة في العالم هي ومن يتبعها ويصفّق لها من أتباع ومريدين من اللبنانيين أكثرهم من الفقراء المستضعفين وبعضهم من المستفيدين المنتفعين .

لقد مرّت ستّة أشهر كاملة منذ انفجار مرفأ بيروت ولم ينسَ اللبنانيون بعد بل لا يمكن أن ينسوا هذا الانفجار المريع الذي اعتبر بحسب التحليلات العالمية والدولية الرسمية والمختصّة بأنّه أقوى وأشدّ إنفجار غير نووي مرّ على مر التاريخ حتى لقد جرى تشبيهه بانفجار هيروشيما النووي ؛ وبحسب تقييم قام به مهندسون خبراء بالتفجيرات من جامعة Sheffield البريطانية فإن “هذا الانفجار كان معادلاً ل 5 % من قوة قنبلة هيروشيما النووية” ونقلاً عن دراسة Sam Rigby المعد الرئيسي للدراسة والمحاضر في هندسة الانفجارات والصدمات في الجامعة البريطانية الشهيرة فإن انفجار مرفأ بيروت والذي وقع في الرابع من أغسطس عام 2020 “كان مدمّراً وغير مسبوق ولم يتم توثيق مثله من قبل “!

هذا الإنفجار المهيب الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من6000 شخص بجروح وتشوهات والذي أدّى إلى تشريد أكثر من 250 ألفاً من سكان مدينة بيروت وإلى أضرار وتصدّعات طالت أكثر من نصف المدينة وخسائر مادية زادت عن 8 مليارات دولار وإتلاف أكثر من 85% من احتياطات القمح التي كانت مخزنة في الإهراءات بالمرفأ ، لم يكن ليتصورنّ أحد أن هذا الإنفجار ستُطوى صفحته من دون محاسبة الفاعلين والمقصّرين وعلى الأقل لم يكن أحد ليتوقّع أن يتم تضليل التحقيق والرأي العام اللبناني كما جرى ويجري مذّاك الوقت وإلى اليوم!

الآن وبعد مضي ستّة أشهر على الإنفجار ما زال التعتيم هو سيد الموقف في لبنان وما زال الوقت يُشرى من قبل هؤلاء الفاسدين لغاية في نفس يعقوب ولعلّ الغاية من ذلك هو حرف التحقيق عن مساراته الصحيحة بهدف تضليل الرأي العام اللبناني والعالمي وقد يكون الهدف من ذلك محاولة ممجوجة من الفاسدين في الدولة للخروج من النفق المظلم الذي وجدوا أنفسم فيه بعد هذا الانفجار الكارثة بكلّ المعايير وذلك عن طريق إخراج الفاعلين والمتسبّبين والمقصّرين الأصليين من الصورة ولتهيئة الأرضية للاستفادة السياسية ولربما لتوجيه أصابع الاتهام إلى جهة معينة دون غيرها لغاية في نفوس السياسيين الفاسدين والمفسدين وذلك على قاعدة ” نفسي نفسي قبل أي أحد ” متناسين كما دائماً أنهم كمسؤولين كانوا لسنواتٍ طوال وما زالوا في موقع المسؤولية عن البلد وأن” تكون أو لا تكون ” ليس لها صرف إلا في قواميس البلدان التي يقال لها “نامية” الا انها في الحقيقة ليست بنامية بل متخلفة أشد التخلف ومتقهقرة الى الوراء إلى حيث ليس هناك مواصفات ” بلد” من الأساس !

” أن تكون او لا تكون” في قاموس هؤلاء السياسيين الفاسدين لا يمكن أن يقابلها إلا إحساس المستضعفين من الشعب اللبناني بهذه الأنا ولو لمرة واحدة في التاريخ حيث يجب أن يشعر اللبنانيون بالنار التي تحرق بلدهم نتيجة فساد وطمع واستهتار هؤلاء كما يجب أن يشعر الفقراء والمستضعفون من اللبنانيين بإحساس الحريق الذي يلتهم البلد كل البلد من جنوبه الى شماله ويشموا رائحة الحريق الذي انتشرت رائحته في كل المكان إلا في انوفهم المتورمة والمحتقنة من كثرة تناولهم المهدّئات الطائفية والمذهبية فلم يعد ابن طرابلس ولا ابن الجنوب ولا ابن المينا ولا ابن زحلة ولا ولا …. يحس برائحة الحريق الهائل الذي طال الوطن برمّته وأزكم الأنوف في المحيط كلّه وهم يتلّهون بالقشور وبالتافه من الأقوال والأفعال فيما البلد برمّته يحترق نتيجة فساد من يسمونهم بأسيادهم فيما العدو يتربص في الجوار ويتحيّن الفرص المواتية ليفرض على بلدنا الاستسلام!

 

وما أشبه اليوم بالأمس حينما تمّت الاستفادة السياسية من جريمة إغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري على مدى سنواتٍ طوال.

الآن وبعد مرور ستة أشهر على الإنفجار المهيب وبعد كل المتغيرات الإقليمية والدولية التي حصلت في المنطقة وفي طليعتها صفقة القرن والتهافت العربي على التطبيع مع إسرائيل من عدة دول عربية وخليجية وفي ظل تفشّي الفساد والعفن السياسي المتغلل في دهاليز السياسة اللبنانية أكثر فأكثر فإنّ أكثر ما يُخشى منه هو حرف مسار التحقيق الجنائي في جريمة هي الأكبر في التاريخ في منطقتنا وكذلك من الاستغلال السياسي لهذا الحدث بشكلٍ لا يمكن أن يفيد إلا العدو الصهيوني المتربص والمتحيّن للفرص وقد برزت علامات و بوادر هذه الاستفادة السياسية منذ اللحظات الأولى للانفجار حينما بادرت أطراف إقليمية ودولية إلى توجيه الإتهام إلى جهة لبنانية محدّدة ومعروفة بعدائها لاسرائيل ولعملائها في المنطقة بهدف محاصرة هذه الجهة مجدّداً وذلك بعدما فشل المخطط الأول باستغلال اغتيال الحريري الأب.

ولا يمكن أن يُفهم من التأخير في إعلان نتائج التحقيق في جريمة المرفأ والملابسات التي حدثت حتّى الآن والتي تخالف كل القوانين الإجرائية المرعية في جريمة كبرى من هذا النوع وبهذا الحجم إلا دليل قاطع على محاولات الفاسدين في الدولة اللبنانية الالتفاف حول نتائج التحقيق ومحاولاتهم المستميتة للخروج من النفق المظلم الذي وجدوا أنفسهم فيه ولو كان ذلك على حساب الشعب اللبناني واستقلالية الشعب اللبناني في إتخاذ قراراته بل و لو كان ذلك على حساب رهن كل لبنان والشعب اللبناني وأملاك وثروات اللبنانيين من نفط وغاز في محاولتهم للخروج من هذا النفق وخصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة.

ما يجري اليوم من محاولات مستميتة لهؤلاء الفاسدين في الدولة اللبنانية للتغطية على فسادهم واستهتارهم بمصالح الوطن والشعب لا يمكن السكوت عنه وخصوصاً أن البلد يغرق بكل ما للكلمة من معنى نتيجة أطماع هذه الذئاب المسعورة وكذلك المحاولات الغير بريئة للكثير من الدول الغربية والاستعمارية لاستغلال فساد هؤلاء بالترهيب حيناً وبالترغيب حيناً آخر والهدف هو رهن حرية الشعب اللبناني في تقرير مصيره وتحقيق مصالحه وتأميم ثرواته وتحصيل حقه في الاستقلال والعيش الكريم.

فما معنى أن تأتي كل هذه الضغوط في هذه المرحلة بالذات ولبنان بحسب كل تقارير الخبراء يطوف على بحيرة من النفط والغاز إلا أن يكون فساد هذه الطبقة السياسية الحاكمة والمتسلّطة على رؤوس اللبنانيين بمثابة حصان طروادة الذي قد يؤدي وبسرعة إلى رهن البلد ومقدّرات البلد ورهن حرية اللبنانيين لكل طامع ومستعمر قديم وجديد.

قد تكون الثورة على هذه الطبقة السياسية الفاسدة مكلفة جداً وخصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان إلا أنّها بالطبع لن تكون مكلفة أكثر من بيع البلد ومقدّراته وثرواته للطامعين والمستعمرين عبر هؤلاء الفاسدين الذين لم ولن يكونوا يوماً إلا أداة بيد المستعمر من أجل هدف واحد إلا وهو فرض حالة الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني والتخلي عن كل أسباب القوة في مواجهة التحديات والتهديدات المحيطة بنا من كل جانب.