تعد العلاقات المصرية- الموريتانية نموذجًا يحتذى لدراسة العلاقات الإفريقية، وتمتد العلاقات بين البلدين إلى تاريخ سحيق حين تزوجت كليوباترا سيليني الثانية من يوبا الثاني حاكم موريتانيا، والجدير بالذكر أن تسمية مملكة موريتانيا تعني امتدادًا كبيرًا في إفريقيا.
أما عن مصر الحديثة فمن منا ينسي الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي، أستاذ عميد الأدب العربي طه حسين، الذي أشار إليه في كتابه "الأيام"، أنه تعلم منه الكثير وقرأ عنه وعن علمه ومكانته الكبيرة.
لعبت مصر دورًا كبيرًا في استقلال موريتانيا الذي حصلت عليه عام 1960، وفي عام 1963 وفي مبنى جامعة الدول العربية وقف أبو الأمة الموريتاني المختار ولد داداة مخاطبًا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قائلا (لن تضيع اللغة العربية في موريتانيا مادامت مصر موجودة) ودار حوار بين الرئيسين انتهى إلى طلب ولد داداة أن تتولى مصر نشر اللغة العربية بين أبناء الشعب الموريتاني، وأرسل إلى جمال عبد الناصر رسالة مع وزير الصحة الموريتاني بابكر ألفا عام 1964 وبدوره أرسل الرئيس عبد الناصر السيد النبوي المهندس وزير الصحة إلى موريتانيا والتي عاشت فرحة وسرور بهذا الأمر حتى إن البعض من أهل موريتانيا كان يسمي أبناؤه الذكور باسم النبوي تيمنًا بمصر ووفدها.
في فبراير 1964 تم افتتاح المركز الثقافي المصري كبوابة للعلاقات الثنائية وأطلق عليه الأخوة هناك المركز الثقافي العربي وحينها أنشد الشاعر الموريتاني الكبير أحمدو ولد عبد القادر قصيدته شعاع الشرق التي مدح فيها مصر ومكانتها.
ظل المركز يلعب دورًا كبيرًا في العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين، وكانت البكالوريا المصرية تمنح لأبناء الشناقطة، درس البعض من كبار رموز موريتانيا في مصر ومنهم شغالي ولد محمد محمود الذي درس في مصر لعامين بجامعة عين شمس.
حين كتب المختار ولد داداة سيرته الذاتية بعد تنحيه عن الحكم في سبعينيات القرن الماضي خصص جزءًا كاملًا عن مصر وعن شخصية جمال عبد الناصر، وأعماله في افريقيا حتى إنه قال إن أكبر شوارع نواكشوط لابد ان يسمي باسم عبد الناصر ولا أحد سواه لأن ما أعطاه لموريتانيا لم يمنحه حاكم آخر حول العالم، ويقبع المركز الثقافي المصري في 1550 شارع جمال عبد الناصر.
لم تتوقف مصر وموريتانيا عن العطاء والتبادل الثقافي والحضاري مع موريتانيا حتى إن موريتانيا كانت من أوائل الدول التي استعادت علاقتها الدبلوماسية مع مصر بعد القطيعة العربية التي تمت عقب معاهدة السلام.
في ثمانينيات القرن الماضي، ومع تولي الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد طايع حرص على توطيد العلاقة مع مصر لدرجة أن حكومة موريتانية شكلت وكان كل وزرائها من خريجي الجامعات المصرية.
في عام 1992 قامت مصر ببث القناة الفضائية المصرية كقناة أرضية لموريتانيا الامر الذي عكس علاقة وطيدة بين البلدين اثرت فيها اللهجة المصرية بأعمالها الدرامية والسينمائية في وجدان الشعب الموريتاني.
مع بداية الألفية زادت العلاقات بين البلدين قوة ومتانة حتى إنه وبعد ثورة الثلاثين من يونيو وخروج مصر من الاتحاد الإفريقي لعبت موريتانيا التي كانت ترأس الدورة حينها دورًا كبيرًا في إعادة الشقيقة الكبرى إلى موضوعها ومكانها الطبيعي.
يكفي القول عن علاقة مصر بموريتانيا أن الموريتانيين رفضوا رفع اسم جمال عبد الناصر من على الشارع الأكبر في العاصمة.
الموريتانيون هم أكثر الشعوب التي لازالت تعرف مصر بأنها أم الدنيا.
د. خالد غريب/ أستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة