قالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن المظاهرات الدامية التي تعيشها السنغال منذ مطلع الشهر الجاري احتجاجا على اعتقال المعارض السياسي البارز عثمان سونكو تظهر رفضا شعبيا لنمط في الحكم ينظر إليه على أنه مهدد للديمقراطية.
وكان سونكو (46 عاما) -الذي ينتمي لحزب "باستيف" (الوطنيون) المعارض- قد حل ثالثا خلال الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الحالي ماكي سال في فبراير/شباط 2019، واعتقل في الثالث من هذا الشهر بعد أن اتهمته عاملة في صالون للتدليك باغتصابها وتهديها بالقتل، لكنه نفى هذه المزاعم، معتبرا أنها محاولة من الرئيس "لتدميره سياسيا" قبيل الرئاسيات المقبلة في 2024، وهو ما نفته الحكومة.
لكن المجلة الفرنسية تؤكد أنه رغم النفي الرسمي، فإن مسألة ولاية ثالثة للرئيس الحالي تتراءى في خلفية الأحداث الحالية رغم أن الرئيس لم يبد حتى الآن موقفا واضحا بهذا الخصوص، كما تخشى المعارضة السنغالية أن تكون قضية عثمان سونكو مقدمة لإلجامها قبل الإعلان عن ترشح الرئيس.
وتضيف أن ملفات بعض من المعارضين البارزين مثل قضية خليفة سال، عمدة مدينة دكار السابق، وقبلها قضية كريم واد (ابن الرئيس الأسبق عبد الله واد) اللذين أخرجا من المشهد السياسي بعد اتهامهما بقضايا اختلاس خلال فترة سال، لا تزال عالقة في الأذهان.
وتعتبر المجلة أن المظاهرات الحالية سرعان ما تجاوزت شخص المعارض عثمان سونكو بعد أن اقتصرت في بدايتها على احتجاجات قادها أنصار ومؤيدون له ولحزبه، وتحولت إلى تعبير صريح عن عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع السنغالي اقتصاديا والتي زادت من وطأتها جائحة كورونا.
كما أنها تعبر عن إحباط شعبي وفقدان للثقة في الحكومة، خاصة في صفوف الشباب الذين وصفهم سال يوما بـ"المتسكعين التائهين" والذين باتوا يتصدرون الآن وبأعداد كبيرة جحافل المتظاهرين في الشارع.
وبالإضافة إلى ذلك تعكس الاحتجاجات الحالية -وفقا للمجلة- حجم التشكيك الشعبي في أهلية الطبقة الحاكمة والنظام السياسي برمته.
ويقول أمين، وهو مقاول في دكار صوت لسال عام 2012 لقطع الطريق أمام ولاية رئاسية ثالثة لمنافسه عبد الله واد، "المصعد معطل.. الأموال باتت بحوزة أقلية حاكمة فاسدة، والقضاء يدار بازدواجية في المعايير.. هذا التراكم هو الذي أدى إلى حجم الاستياء والغضب الذي نشهده الآن. الأمر يتجاوز شخص سونكو وهو فقط خيار بديل لرسم قطيعة مع النظام الحالي.. ليس لدينا ما نخسره"
كما يرى سامبو بياغي رئيس جمعية الصحفيين السنغاليين للتعاون والتضامن "إيه بي آر إي إس" (APRES) أن ما يجري من احتجاجات وأحداث عنف، وما تخللها من هجمات على الصحفيين وبعض مقرات وسائل الإعلام، "يهدد مسار الديمقراطية ويوجه ضربة موجعة لحرية التعبير في البلاد".
فقد تم منذ الخميس الماضي قطع شبكة الإنترنت جزئيا، وصدرت توجيهات لقوات الأمن بتفريق المتظاهرين بما فيهم الصحفيون خلال احتجاجات الثالث من مارس/آذار الجاري، كما تم قطع بث قناتين محليتين اتهمتا من قبل السلطات بدعم المظاهرات من خلال نقل حي للاحتجاجات، وهو ما اعتبرته منظمة مراسلون بلا حدود "آر إس إف" (RSF) انتهاكا لحرية الصحافة والإعلام.
وختمت المجلة بأن قطاعا عريضا من السنغاليين يرون أن اعتقال عثمان سونكو وإصرار الحكومة على التعامل مع المظاهرات الحالية على أنها "أعمال إرهابية" -وفق تعبير وزير الداخلية السنغالي أنطوان فيليكس- يضع الديمقراطية في البلاد أمام خطر داهم، ويجعل من الدفاع عن حرية المعارض المعتقل وسيلة من أجل صون المسار الديمقراطي وضمان العدالة للجميع .