رغم الصداقة العميقة فإن الخلاف بدأ يدب بين الرجلين بعد الاستقلال حين أصبح من الضروري أن تتحد طبيعة النظام.
كان "سيد المختار بن يحي انجاي" يسعى لأن يظل النظام برلمانيا أما "المختار ولد داداه" فيريده رئاسيا وعرض قرار بهذا الشأن على البرلمان.
استجاب لدعوة "سيد المختار" سبع وثلاثون نائبا بينما أبدى ثلاثة معارضتهم له، وحينما عقد البرلمان جلسة للتصويت على هذا القرار نقض جميع المتعاطفين مع "سيد المختار" مواقفهم ولم يصوت إلى جانبه سوى نائبان فقط هما: محمد الأمين ولد الغرابي" و"انداورا".
لما جاءت النتجية لصالح المختار بطريقة لم تخل من ضغوط تقدم "سيد المختار" باستقالته وفاء لمبادئه وكان أول مسؤول رفيع يستقيل في البلاد، وظل رغم ذلك محتفظا بعلاقاته طيبة مع زملائه الذين لم يقفوا إلى جانبه، وبهذا أصبح النظام رئاسيا كما أراد له المختار.
هنا كسب المختار إحدى أهم معاركه التي ستفتح أمامه الطريق معبدا لكسب معارك سياسية أخرى وهكذا تم تحويل البرلمان إلى ختم في يد الحكومة تمرر به ما تشاء.
وبإقصائه لسيد المختار يكون المختار قد أزاح منافسا محنكا مخضرما وخلف سيد المختار في منصبه سليمان ولد الشيخ سيدي وكان من أبرز رجالات الدولة الفتية يتمتع بسعة أفق وعلاقات واسعة وهو سليل أسرة دينية وسياسية غنية عن التعريف، إلا أن الخلافات القديمة سرعان ما دبت بينه وبين المختار فأقيل من منصبه لله در القائل:
جاءت سليمان يوم العرض هدهدة
أهدت له جرادا كان في فيها
وأنشدت بلسان الحال قائلة
إن الهدايا على مقدار مهديها
وبغض النظر عن الطموحات الفردية والعوامل الذاتية في خلاف الرجلين فإن الخلاف أصبح اديولوجيا واضحا ويمكن اعتبار كل منهما محقا فيما ذهب إليه.
كان سيد المختار مؤمنا بالديمقراطية فقد كان نائبا في البرلمان الفرنسي، كان يفضل الاحتفاظ بالنظام البرلماني مع فصل السلطات يخشى الانفراد بالسلطة ويريد تكوين قاعدة تمثيل عريضة تقطع الطريق أمام المعارضة المدعومة من الخارج.
أما المختار فكان يرى أن متطلبات بناء الدولة الناشئة والتحديات المختلفة تتطلب مركزية شديدة تجمع السلطات في يد رئيس الجمهورية تقطع الطريق أمام النعرات القبلية والعرقية.
وسيعمل المختار لاحقا على تعزيز هذا النهج جامعا كل الأوراق في يديه كلما سمح ميزان القوة بينه وبين خصومه السياسيين بذلك.