لم تكن الا أياما معدودة بعد إعلان فخامة الرئيس محمد الشيخ الغزواني ترشحه للرئاسيات بداية شهر مارس 2019 حتى التف حوله الجميع موالاة و معارضة ظنا منهم ان الرجل المعروف بحسن الخلق و الذي ينحدر من أسرة مسالمة و متدينة و بعيدة اصلا عن أضواء السياسة، سيخلصهم من واقع البلد المتردي منذ نشأة الدولة الموريتانية الحديثة بداية ستينيات القرن الماضي. و يبدو ان تلك الهبة العفوية الداعمة لفخامة المترشح آنذاك محمد ولد الشيخ الغزواني تعود في لبها الى حاجة هذا الشعب الماسة الى من ينقذه من ويلات ما عاشه خلال ستين سنة مضت من استقلاله عن المستعمر الفرنسي.
من سوء الحظ لم تنتظر جائحة كورنا كثيرا بعد انتخاب فخامة الرئيس حتى شلت اقتصاديات العالم و موريتانيا لم تكن بطبيعة الحال بعيدة عن تداعيات هذه الجائحة نظرا لضعف اقتصادها اصلا. و يضاف الى تداعيات جائحة كوفيد 19 العالمية ان فخامة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لم يرض بالخروج الكلي من المشهد السياسي تاركا الحكم لصديق دربه ولد الغزواني المنتخب حديثا كما أراد الاخير. و ما كان من الصديقين الا انخرطا بشكل غير متوقع في خلاف شخصي على مرجعية حزب الدولة مما كلف البلاد و العباد المزيد من الخسائر و الانقسامات التي كان يمكن بسهولة تجنبها. و قد أدى هذا الصراع على السلطة للأسف الى انشغال قادتنا و الرأي العام خلال السنتين الاخيرتين عن التركيز على البحث عن حلول جذرية لمشاكل بلدنا العالقة و المزمنة.
من هنا ضاعت سنتان من حكم فخامة الرئيس ولد الشيخ الغزواني ادراج الرياح دون حلحلة بعض المشاكل العالقة التي تمس حياة المواطن البسيط بشكل مباشر مثل التعليم و الصحة و البنية التحية للبلد.
منذ أشهر و كنتيجة حتمية لما ذكر أعلاه بدى للجميع من مواطنين بسطاء و مثقفين و سياسيين و صحفيين و حتى رئيس الجمهورية نفسه و وزيره الاول سوءات حكومة الرجل الثانية و فشلها في التخفيف من معاناة المواطنين و تحدث البعض عن ضرورة تغييرها جزئيا او كليا، و قد ظهر ذلك جليا في خرجات البعض الاعلامية و لم تكن مغادرة الرئيس لإحدى اجتماعات الحكومة قبل الوقت المعهود قبل اسابيع الا دليلا ساطعا على ذلك.
قبل ايام قليلة جاء التغيير المنتظر الذي كان من المتوقع ان يحمل معه جرعه من الأمل لمسقبل افضل الا ان ذلك لم يحدث بل ان الطين ازداد بلة حيث تفاجأ الجميع و نحن في الألفية الثالثة ان تم اختيار اغلب الوزراء على أسس غير سليمة بل رجعية تماما و هذه المرة أكثر وضوحا من سابقتها، حيث اتضح للجميع ان معيار التكليف الوحيد هو ان يكون المرء ابن شيوخ او اشياخ او ابن رئيس سابق او مقرب من جنرال او صهر نافذين مع تمثيل شرائحي- ربما ضروري في هذه المرحلة- اعتادته الانظمة المتعاقبة على حكم البلد.
على اصحاب القرار ان يبينوا لنا ما هي قيمة شهادات و كفاءات و خبرات و تجارب بعض ابناء البلد الذين ضحوا بالغالي و النفيس من اجل التحصيل العلمي و جمع الخبرات و التجارب رغم صعوبة الظروف و شح الموارد و الغربة و ذلك من اجل تغيير واقعهم الى الاحسن و بناء بلدهم الذي هو في امس الحاجة اليهم، اذا كانت ثقة الرئيس لا تمنح لهم لانهم لسوء حظهم و حظ بلدهم لم يكونوا من ابناء هذه الاسر التي نحترمها و نجلها، و ما هي الفائدة من تعليم الاجيال او تعلهم اصلا اذا كان بلدهم محروم من الاستفادة من قدراتهم؟
أكثر ما يؤلمني و لا شك يؤلم غالبية نخبة البلد هو تسليم وزارة التعليم العالي لأمين عام شاب غير اكادمي اصلا و وزيرة شابة لا تشفع لها تجربة و لاخبرة قد تمكنها من تسيير وزارة بهذا الحجم و الأهمية نظرا لارتباط مستقبل الأجال القادمة بهذه الوزارة.
اخيرا ما هو الذنب الذي ارتكبه هذا الشعب حتى يتم التلاعب بمصالحه بشكل مستمر من طرف رئيس بعد رئيس و نظام بعد نظام و كأن ثرواته كعكة يمنحها من لا يستحق لمن لا يستحق؟