هنالك فرق كبير بين السياسيين ورجالات الدولة، فأهل السياسة يحبون الظهور ويعشقون الثرثرة وهمٌ أغلبهم أن يظل ذكره على كل لسان، لكن رجالات الدولة على النقيض من ذلك لا يحبذون الظهور لأجل الظهور ولا يشغلون وقتهم بالعبث.
ومن بين رجالات الدولة الذين أمتلكوا سمعة حسنة وذكرا طيّب، ومن أبتعدوا بأنفسهم عن المُهاترات والمظاهر الخداعة ، الدكتور والخبير الدستوري، محمد الأمين ولد داهي، فالرجل ظلّ على مسافة من التجابذات السياسية طيلة عقدين من الزمن، وأكتفى بمداخلات ومشاركات من صميم اختصاصه.
قبل أيام أخذ حراكُ الشيوخ السابقين منعرجا جديدا في إطار أنشطتهم المطالبة بعودة أولى غرف البرلمان، بعد أن جرفتها "ردة فعل" لمجرد وقوف أغلب اعضاءها ضد التيار، وسياسة أنا أو الطوفان؛
فقد واصل الشيوخ مساعيهم لإعادة الشرعية الدستورية ونظام الغرفتين داخل البرلمان الموريتاني وبينوا الحاجة الماسة إلى وجود سلطة تشريعية تعطي التوازن الضروري لدولة المؤسسات مسلحين بالحق، والمنطق القانوني.
ومتسلحين أيضا باستشارات وآراء مدروسة ومقننة، من خبير لا يشقٌ له غبار، ورجل يملك من البصيرة وبعد النظر مايخوله لأن ينال احترام وتقدير الجميع.
ومن خلال متابعتي مساء أمس لبرنامج حواري عبر قناة البرلمانية كان الدكتور محمد الأمين ولد داهي، أحد أطرافه البارزين، تولدت عندي قناعة بأن غرفة الشيوخ ستعود، وأن برلماننا سيعود لسابق عهده، فالرجل بيّن جميع الإختلالات القانونية التي صاحبت قرار إلغاء مجلس الشيوخ والترتيبات "غير المُكلفة" التي تعيده للحياة من جديد، بل وتعيد الحق لأصحابه دون صخب.
