نشرت صحيفة Horizons الحكومية، في عددها الصادر أمس الجمعة، مقابلة مع وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية الدكتور أوسمان مامودو كان، تحدث خلالها عن سياسة الحكومة الجديدة الهادفة إلى تثمين القطاع الزراعي، واستعراض اللقاء التشاوري الذي نظم مع سكان مركز "دار البركة" بولاية لبراكنة، منتصف الشهر الماضي.
وفيما يلي ترجمة لبعض ما ورد في المقابلة:
سؤال:- كنتم في "دار البركة" يوم السبت 19 يونيو وبصحبتكم وزير الزراعة، جئتم تحملون رسالتين من رئيس الجمهورية، و كان مضمون الرسالة الثانية أعم من تلك الموجهة لساكنة "دار البركة" حيث تضمنت هذه الرسالة كيفية تثمين المقدرات الزراعية الموريتانية عن طريق جذب مستثمرين وطنيين وأجانب.
بماذا تردّون على من يعتقدون أن هذه المبادرة يمكن أن تتسبب في الاستيلاء على الأراضي؟
جواب:-يتعلق الأمر بمقاربة معاكسة، ويمكن القول بأنها مناقضة تماما لما يسميه البعض بالاستيلاء على الأراضي ، وتهدف هذه المقاربة إلى وضع حد للخوف من هذه الظاهرة التي تسبب صراعات عبثية تكون كل الأطراف خاسرة فيها. إن السياسة المتبعة من الآن فصاعدا بتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية في إطار تثمين الأراضي الزراعية معاكس تماما للسياسات المتبعة خلال العقود الأخيرة والتي شكلت مصدر إحباط لسكاننا المحليين بجميع مكوناتهم.
إن السياسة السابقة تسببت في نفور المستثمرين وأجهضت التنمية الزراعية في البلد كما خلقت تهديدا حقيقيا للتماسك الاجتماعي الوطني. وهذا ما يخالف تماما رغبة وطموح حكومتنا. إن ظاهرة التعدي على الحقوق العقارية للآخر أمر ضار، وهو ما طبع نظام التسيير العقاري في العقود الأخيرة وذلك ما يريد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ ولد الغزواني أن نجعله، مهما كلف الثمن جزء من الماضي.
إن هذه الرؤية الجديدة التي تم عرضها بشكل مفصل في "دار البركة"، وتم اعتمادها من طرف الحكومة خلال اجتماعها يوم 23 يونيو 2021 تتثمل في العمل من أجل تنمية مستدامة لقطاعنا الذي يمثل عنصرا أساسيا من اقتصادنا الوطني، فحيثما وجدت حاجة لاستثمارات مهمة فإن الصفاء والثقة بين جميع الأطراف أمور ضرورية.
وعليه يمكن أن تفهموا لماذا نربط بشكل عضوي الصورتين الرئيسيتين للاستغلال الأمثل لثروتنا الزراعية، وإرساء مناخ اجتماعي من التضامن المعهود بين كافة مكونات مجتمعنا الريفي.
سؤال:-إن هدف الحكومة هو تهيئة مساحات زراعية ضمن مسار يمتد على مدى سنوات بغية إعداد مشاريع جاذبة للقطاع الخاص مزارع كبيرة،500 هكتار 1000 هكتار، 2000 هكتار.
كيف سيتم ذلك؟
جواب:- ستتم تهيئة هذه المساحات الزراعية بطريقين:
- يمكن للسكان المعنيين من تلقاء أنفسهم تحديد مساحة والتوافق علي تثمينها بالشراكة مع مستثمرين خصوصيين و ينحصر دور الدولة في التسهيل. وتوفر طبعا طريقة العمل هذه الكثير من الفوائد لأن المبادرة نابعة من السكان المعنيين، وقد بدأ العمل بهذه الطريقة في عدة بلدات و من جهة أخرى، ستعمل الدولة في الأيام القليلة المقبلة علي خلق لجنة إشراف على تنفيذ هذه الخطة. و تتألف هذه اللجنة من مسؤولين من مختلف القطاعات و تعمل في تعاون أساسي مع الشركة الوطنية للتنمية الريفية "صونادير" ، كما يمكن لهذه اللجنة هي الأخرى اختيار مساحات أخري يتم استصلاحها وزراعتها بالشراكة مع القطاع الخاص علي أن يتم بعد ذلك تحديد الأطراف الفاعلة والعمل علي خلق جو توافقي حول الملكية العقارية من جهة والطريقة المثلي لاستغلال من جهة أخرى.
سؤال:- يستحيل الاستثمار على المديين المتوسط والطويل ما لم يتم توفير أمان عقاري. كما صرحتم في دار البركة، عقبة كبيرة ينبغي تفهمها و تجاوزها، كما صرحتم كذلك أنه ليس على الدولة القول بأن ملكية هذه الكتلة من الهكتارات المعدة للاستثمار تعود لهذا أو ذاك، وإنما على السكان المحليين التفاهم على أساس معايير يضعونها فيما بينهم وستسعى الدولة في تسهيل ذلك التفاهم.
ألا يمكن أن يشكل هذا التفاهم بين السكان لتحديد ملكية المساحات المعدة للاستصلاح عقبة كبيرة؟ ما هي أشكال الأدلة التي علي أساسها ستحدد الملكية العقارية؟
جواب:- بطبيعة الحال في بداية الأمر ستحصل خلافات هنا وهناك على ملكية الأراضي. و الدولة طبعا طرف معني بوصفها المالك الفعلي أو المفترض للأراضي العقارية بحكم القانون الساري و لكن ليست لها مصلحة في أن تكون حكما في هذا النوع من النزاعات إلا أن لديها الصلاحيات لتسهيل تجاوزها في إطار حوار هادئ للوصول إلي التفاهم المنشود وقد يستغرق ذلك وقتا وأحيانا سنوات في بعض الحالات، و لكن المهم هو أن ينطلق المسار وعلينا أن نبدأه بحالات سلسة سهلة حصل حولها التوافق أو على وشك الحصول عليه، وقد نقف بسرعة على العديد من هذه الحالات بعد ذلك ، مع النجاحات المأمولة والمتوقعة ، سيتبع المزيد والمزيد من المجموعات. سيكون هناك بالتأكيد تردد ومظاهر للشك والاختلاف ، لكنني متأكد من أنه بفضل حكمة شعبنا سيتم التغلب على كل هذه العقبات. تمتلك البلاد أراضي شاسعة لا تخضع لأي نزاع ويمكن أن تقدم مثالاً على الاستغلال الحديث، بموافقة المجتمعات الزراعية، وتدخل المستثمرين ودعم الدولة. هذه الأمثلة سيكون لها بلا شك تأثير إيجابي على المدى المتوسط والطويل.
سؤال- قلتم كذلك إن المعيار الثاني لمنح المساحات للمستثمرين هو التزامهم للدولة وللسكان المحليين بتخصيص جزء من هذه المساحات المستصلحة للملاك وينتفعون بها ويثمنونها.
إيجار 2000 هكتار على سبيل المثال كم سيخصص منها للملاك؟ كيف سيتعايش الملاك والمستثمرون علي نفس المساحة؟
المعيار الثالث الذي ذكرتم هو المدة القصوى للإيجار التي يطلبها المستثمر ليعيد الأرض بعد انقضاء المدة لملاكها.
وبما أن الاستثمار في الزراعة يتطلب مدة زمنية مناسبة فماهي ياتري متوسط مدة الإيجار؟
الجواب:- أسألتكم جيدة وتنم عن فهمكم لمقاربتنا وأننا وإياكم نمتلك نفس المنظور، تعرفون جيدا أن كل استثمار يتطلب فترة زمنية ولكم الحق بأن ترون أن المدة يجب أن تكون طويلة لتتيح للمستثمر فرصة استرداد استثماره من وراء العمل.
قلت بالفعل إن مدة الاستثمار ستشكل معيارا لتقييم العروض المتنافسة، وكلما كانت المدة المقترحة من طرف المتقدم أقصر كلما تعاظمت حظوظه في الحصول على المساحة المطلوبة، كما ذكرت أيضا أنه ستحدد مدة قصوى للإيجار لملفات العروض، فإذا كانت الفترة المحددة في ملف العرض 30 سنة على سبيل المثال فإن كل متقدم يقترح مدة تفوق ذلك سيتم إقصاؤه.
سؤال:-لقد أشرتم إلي أن الخواص الوطنيين والأجانب بإمكانهم توفير موارد مالية وخبرات لا يمكن للدولة توفيرها كما يمكنهم كذلك ضمان صرامة في التسيير لا يمكن للدولة ضمانها في كل الأوقات،ومن هنا تكون الشراكة بين السكان والقطاع الخاص والدولة هي المبدأ الأساسي لكل إصلاح للقطاع الزراعي في موريتانيا.
ألا يمكن أن يفسر هذا التصريح بأنه إقرار بعجز الدولة بوصفها قوة عمومية؟ ألن يجد السكان أنفسهم في النهاية بمواجهة الخواص الذين لا يستهدفون إلا تحقيق الأرباح؟*
جواب:-لا يعني هذا إقرارا بعجز الدولة بحال من الأحوال بقدرما هو إبراز أهمية أن يقوم كل طرف بالدور المنوط به. إن عملية الاستثمار عملية يعتريها الكثير من المخاطر وليس من مهام الدولة تجشم المخاطر.
إن خلق الثروة من المهام الطبيعية للقطاع الخاص وفي حالة عجزه عن ذلك فإن علي الدولة التدخل بصفة استثنائية وبشكل مؤقت كما تقع عليها مسؤوليات جسيمة من أهمها ضمان توفير شروط العدالة والجدية واحترام التزامات الأطراف بعضها للبعض الآخر، كما تقع عليها كذلك مسؤولية توفير البني التحتية الضرورية لتنمية هذه المساحات الزراعية.
أما بخصوص العلاقة بين السكان المحليين والخواص فمن حسن الحظ أن الأخييرين جاؤوا يبحثون عن الربح وللتأكد من ذلك فلابد من التأكد من جدوائية الاستثمارات وأنها ستعود بالنفع على السكان المحليين وإتباع تسيير صارم سيشكل مصدر إلهام للسكان المحليين يحفزهم علي العمل مع الدولة و المجموعات المحلية في تناغم .
و على كل حال فإن الأطراف المعنية بما فيها الدولة، ستتفاوض وتتفق على تفاهمات عقارية تهدف من بين أمور أخرى إلى تحديد الإجراءات الضرورية لحماية مصالح المستغلين الصغار وفق التشريعات العقارية السارية.
سؤال:- لقد خاطبتم من دار البركة جميع الموريتانيين حيث قلتم: "لقد طلب مني رئيس الجمهورية أن أوضح لكم هذا المخطط، وأن أستمع إليكم وأوافيه بالنتيجة وبناء علي مقترحاتكم ستقرر الحكومة. في الوقت الذي أحدثكم لم يُتخذ بعد أي قرار، إن الهدف من هذا اللقاء مشاركتكم بعض الأفكار لإثراء النقاش ولكم كامل الحق في مناصرة هذا التوجه، كما لكم الحق في أن ترفضوا مالا توافقون عليه" ، هل وجدتم صدى لخطابكم هذا حتى الآن؟
جواب:- أريد أن أطمئن كل إخوتي المواطنين اللذين استقبلوني واستمعوا إليّ في دار البركة، أن وجهة النظر التي عرضت عليهم، لن تدخل حيز التنفيذ رغما عنهم، وأن عهد فرض السياسات والتصورات قد ولى، وأن الحكومة ورئيس الجمهورية بشكل خاص لن يلجأوا إلى تلك الأساليب لأنها غير منتجة و بدون مشاركة السكان المحليين لن تنجح أية مقاربة و لنا في التجارب الماضية ما يؤكد ذلك.