رغم ما يتمتع به المختار ولد داداه من ميزات القيادة وصفات رجال الدولة، لم يكن في استطاعته أن يحقق تلك المكاسب لولا خبرة وإخلاص رفاقه الذين وفق في اختيارهم فقد كان فيما يبدو يجيد اكتشاف الرجال الأكفاء.
لقد لعب هؤلاء دورا بارزا في إرساء قواعد الدولة وضمان احترامها وتصور وتنفيذ البرامج وتحقيق فتوحات دبلوماسية تركت ظلالها على نظرة الآخر إلينا كمجتمع مسالم يقف إلى جانب القضايا العادلة.
كان من بين أولئك الذين يعود لهم الفضل في إرساء دعائم الدولة الموريتانية المستقلة: أحمد بن محمد صالح، وحمدي ولد مكناس وصال عبد العزيز محمد ولد باباه وسيدي ولد الشيخ عبد الله وباب وكار الفا وأحمد ولد سيد باب وغيرهم.
كان أحمد ولد محمد صالح من علية قومه، عمل معلما ثم إداريا قبل أن يصبح وزيرا كان واسع الباع شديد الاحترام للمال العام يتحرك بطبعه في صداقات محصورة.
كان إيمانه بالدولة لا يتزعزع وكان نموذجا للمسؤولية والوفاء.
ظل بحكم موقعه وثقة الرئيس المطلقة فيه معرضا لكيد الحاسدين ولم يتكلف أبدا عناء الدفاع عن نفسه. كان مرتاح البال يحتكم إلى ضميره ويتحمل في صمت ليريح الآخرين فالشجرة الصلبة لا تعبؤ بالعواصف.
كانت لحمدي ولد مكناس مكانة خاصة وظهرت علاقاته بالرئيس في وقت مبكر كما جمعته أواصر الصداقة مع سكان أبي تلميت منذ أن كان طالبا يدرس هناك تبوأ مناصب هامة في الحكومة حيث عين مفوضا للشباب ثم وزيرا للخارجية.
قضى في العمل الدبلوماسي عشر سنين كانت حافلة بالنشاط وعوض صديقه عن ثقته به أن كان وفيا صادقا معه في كل مراحل تجربته السياسية وقد تمكن عبر مشواره الدبلوماسي من تأمين الدعم الخارجي للبرامج التنموية الوطنية لاسيما في فترات الأزمة وكلنا يتذكر رجوعه غداة انقلاب العاشر يوليو 1978 ليودع السجن مع رفاق دربه رافضا عروض اللجوء السياسي ومقدما للنظام العسكري صكا بملايين الدولارات كان قد حصل عليها من إحدى الدول الصديقة.
كان "محمذن بن باباه" خريج الجامعات العصرية وكانت له مع ذلك خلفية تقليدية صلبة.
كان نموذجا للمثقف المستنير دون أن يكون متلبسا ولم يكونوا كثيرين وقتئذ، كان ناقدا للتوجهات الاقتصادية والثقافية للحكومة.
دخل الحكومة مع مجموعة من رفاقه إثر التقارب الحاصل بين المعارضة والنظام أواخر الستينات عمل وزيرا للاقتصاد ثم وزيرا للتعليم حيث باشر إصلاحات جريئة لصالح التعريب.
عرف أنه رجل جاد أمين مبدئي عينة المختار فجأة على وزارة الدفاع في فبراير 1978 كان ذلك قبل الانقلاب بشهور قليلة.
كان إجراء يفترض أن الهدف من ورائه تكوين فكرة صادقة عن حالة التسليح والتدريب ومعنويات الجيش وأوجه الانفاق بعد الانتكاسات المتتالية وسط رواج الشائعات عن الفساد.
كان لابد أيضا من حقن جرعة أخلاق للمؤسسة العسكرية المريضة فقد تفشت في ظل الحرب مظاهر وممارسات غريبة على مجتمعنا كان المختار فيما يبدو يريد أيضا أخذ نبض كبار الضباط.
لم يكن "محمذ" عسكريا بالطبع لكنها مهمة استطاع أن يقوم بها بجدارة وعقد اجتماعات مطولة مع كبار الضباط. كان أحدها في منزله يوم 9 يونيو 1978 ذكرى عيد القوات المسلحة.
لقد نقل للمختار صورة صادقة عن الوضع كانت صورة مهولة لكنها حقيقة ولم يكن بطبعه من "أهل تهويل الأمور" كان ذلك فيما يبدو بعد فوات الأوان.
كان صل عبد العزيز هو الآخر رجلا وطنيا وفيا يقدر الصداقة.
كان مقربا لرئيس الجمهورية وأحد رجال ثقته. كان يتمتع بعلاقات وطيدة في كافة الأوساط الشعبية كما أنه يعتبر بالإضافة إلى ذلك من المنظرين للحزب ومن هم راسمي سياسته. عرف متفانيا في عمله يحب إتقانه ويأخذ له وقتا كبيرا.
وقد روى المختار أنه حين كان مديرا للدولة لا يذكر أنه جاء لمكتبه إلا ووجده أمامه ولم يغادره في نهاية الدوام إلا تركه خلفه.
كان تأميم مناجم الحديد مطلبا سياسيا واقتصاديا منذ منتصف الستينات وكان تنفيذه غاية في الصعوبة.
كان "سيد ولد الشيخ عبد الله" هو الآخر تكنوقراطيا محنكا اكتشفه المختار واختاره لتصور وتنفيذ ومتابعة هذه المهمة مع المهندس الشاب "اسماعيل ولد أعمر" الذي كان قد تخرج لتوه بتقدير جيد من مدرسة مرموقة لتكوين مهندسي المعادن بفرنسا.
لقد استطاع الرجلان بتكامل مجهودهما إنجاز عملية التأميم بذكاء ومهنية فاقت التوقعات وأظهرت للمشككين حينها ما باستطاعة الوطنيين من أبناء هذا البلد إنجازه وكانت فترة مضيئة في التاريخ الاقتصادي للبلد.
كان نجاحا باهرا بكافة المقاييس حيث لم يتوقف الإنتاج مع انسحاب الخبراء والفنيين الأجانب: تم الاحتفاظ بنفس مستوى الجودة وتم الحصول وبشروط ميسرة على رساميل تعوض رؤوس الأموال المنسحبة كما تم الحصول على زبناء جدد فجميع العقود كانت مبرمة باسم الفرنسيين كذلك تم إعداد سياسة للتكوين ومرتنة الوظائف من أجل إحلال الوطنيين بدل الأجانب.
كان للدكتور با بوكار ألفا هو الآخر حضور متميز في تلك الفترة لقد تعرف على با بوكار ألفا سنة 1957 عرفته شابا وطنيا مخلصا سهل المراس.
كان من مواليد كيهيدي في أواخر العشرينات من القرن الماضي، تخرج من مدرسة وليام بونتي التي تخرج منها موريتانيون عديدون آنذاك.
قضى ما بين 1947 و1951 في المدرسة الإفريقية للطب والصيدلة وبعد تخرجه مارس مهنة الطب في اندر وبوتلميت وانواكشوط وعرفه الكل عطوفا رحيما شافي اليد.
في مرحلة لاحقة نال شهادة الباكلوريا وتابع دراسات عليا حصل إثرها على دكتوراه دولة سنة 1961 في فرنسا.
في نفس السنة تم استدعاؤه ليشغل منصب وزير الصحة والشؤون الاجتماعية والشغل ثم عهد إليه بين 1963 – 1965 بحقيبة المالية والشؤون الاقتصادية.
حين كان وزيرا للصحة كان هو واضع الحجر الأساسي للمستشفى الوطني وبعد اكتمال تشييده كان أول مدير له.
إضافة إلى المشاغل الإنسانية والمهنية السابقة كانت له أيضا أدوار سياسية فقد تم انتدابه إلى مصر لمفاوضة عبد الناصر من أجل الاعتراف بموريتانيا وكانت مهمة ناجحة.
وفي مرحلة لاحقة وظف علاقاته المتنوعة لكسر حالة الجمود التي كانت تطبع العلاقات الموريتانية المغربية.
لم تستحوذ عليه المشاغل والمناصب فظل يخصص وقتال طويلا للمعالجة المجانية للمرضى من مختلف الفئات والشرائح الوطنية، كان أيضا كثير الإحسان على الضعفاء عابدا كثير الامتثال والاجتناب في الدين.
يعتبر أحمد ولد سيد باب هو الآخر رجلا سياسيا بارزا وهو سليل أسرة لها مكانة علمية واجتماعية متميزة في آدرار.
باشر التدريس في مطلع الستينات، وكان وزير دولة تقلد حقائب الإعلام والثقافة...
عرف مثقفا منفتحا له صداقات راسخة في فرنسا والعالم العربي، بعد الإطاحة بالنظام المدني في العاشر من يوليو اتجه إلى الاستثمار في قطاع الصيد لتشجيع ودعم من رجل الأعمال محمد الإمام ولد أوليد ومع إعلان الانفتاح الديمقراطي أنشأ حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة وكان أول حزب يرخص له في ظل التعددية السياسية الجديدة.
كان حزبا نخبويا إلى حد كبير، امتاز بطرح عقلاني يحبذ التغيير الهادئ ويضع نصب عينيه التحسين التدريجي للتعاطي الديمقراطي وتنمية السلم الاجتماعي وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
انضم هذا الحزب إلى الأغلبية الرئاسية في منتصف التسعينات وشغل رئيسه "أحمد" منصبا وزاريا وكانت مشاركته جديرة بالذكر والشكر.