في سنة 1969 إذا، عبرت المغرب عن موقفها من موريتانيا واعترفت رسميا بها من هنا بدأت الأمور تتخذ مجرى آخر تميز بمحاولة المغرب استدراج موريتانيا إلى تحالف تضمن عن طريقه تحقيق مطالبها وانطلقت هذه العملية عندما انعقد لقاء قمة موريتاني ـ مغربي في الدار البيضاء ثم في نهاية إصدار بيان مشترك أعرب خلاله الطرفان عن استعدادهما لبحث الوضعية في الصحراء والتعاون للإسراع بتصفية الاستعمار من هذا الإقليم طبقا للوائح الأمم المتحدة الصادرة في هذا الشأن.
مهد هذا اللقاء لعقد قمة ثلاثية في انواذيبو سنة 1970م بين موريتانيا والجزائر والمغرب وتمت المصادقة في هذه القمة على إنشاء لجنة تنسيق يمثل فيها كل بلد وزير خارجيته.
تتابعت اللقاءات بعد ذلك في إطار هذه اللجنة إلى أن أفضت قمة أكادير التي أكد خلالها الرؤساء الثلاثة على اهتمامهم بتطورات مشكل الصحراء معربين عن تمسكهم بمبدإ تقرير المصير لشعبها، إلا أن جميع هذه الاتصالات لم تسفر عن إيجاد صيغة للتفاهم وموقف إجماع من شأنه أن يعمل على حسم هذه القضية بصورة ترضي جميع الأطراف وعكست البيانات الصادرة آنذاك عمق الأزمة.
أمام هذه الوضعية لم يكن أمام موريتانيا سوى أن تختار موقعا بجانب أحد الطرفين. رغم ذلك وأثناء مناقشات مؤتمر أكادير أوضح المختار بن داداه موقفه القاضي بتمسكه بموريتانية الصحراء وأعلن ذلك أمام الزعيم الليبي خلال زيارته لانواكشوط عام 1973م، بل إنه سمح بتكوين جبهة "البوليساريو" وعملها العلني في موريتانيا وفتح لها مكتبا في العاصمة.
أمام هذه الأحداث المتلاحقة لم يعد بوسع الملك المغربي بحنكته وذكائه المعروفين أن يقبل تكوين حلف جزائري موريتاني.
كان محمد الخامس ملكا طيبا شديد الوطنية محبوبا من شعبه حتى أنه أصبح رمزا للكفاح الوطني.
كان يريد إعداد ولي عهده للأعباء المستقبلية فوفر له تكوينا صلبا في العلوم الشرعية والعصرية وكان لا يفارقه أبدا حتى في أحلك فترات النضال السياسي، عندما نفاه الفرنسيون إلى مدغشقر.
أصبح الحسن الثاني باعتراف حتى من ناصبوه العداء من أعظم الملوك العلويين على مدى التاريخ، كما أنه كان ألمع قادة العالم العربي في القرن العشرين. كان يتمتع بمشروعية سياسية ودينية وكان –لا شك- يتمتع برعاية إلهية مكنته من النجاة بأعجوبة من كوارث محققة، كان له كذلك حس سياسي ثاقب ووعي شديد بمصالحه الوطنية.
كان أمامه خياران: إما القبول بدولة صحراوية تخضع لوصاية إسبانية أو الاتفاق مع موريتانيا.
لقد فضل الخيار الأخير وظل منشغلا بالطريقة التي يمكن بها استمالة الموقف الموريتاني في المباحثات التي ينتظر منها أن تقدم تسوية للنزاع حول السيادة على الإقليم لأن من شأن هذا الخيار أن يقصي الجزائر من دائرة الاهتمام بالموضوع.
كان هذا الخيار صعبا إذ ليس من السهولة أن تتراجع موريتانيا عن موقفها اتجاه حليف الأمس وأن تضرب عرض الحائط بالاتفاقيات التي تربطها به، ورغم ذلك فقد نجح المغرب فيما يريد وساعد في ذلك تضافر عدة عوامل كان من أهمها التدخل الأمريكي إلى جانبه.
لقد استطاع الملك الحسن استثمار النفوذ الأمريكي حيث ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل من أجل الحد من نشاط الجزائر في منطقة الشرق الأوسط وفيتنام وآنغولا وفي مناطق أخرى وانطلاقا من هذه الخلفية قدمت مساعدتها للمغرب في سبيل جر موريتانيا إلى تحالف معه ثم قدم وزير خارجيتها ضمانات لوزير الخارجية الموريتاني ووعده إذ لزم ذلك بتعويضات عن المساعدات الجزائرية السخية آنذاك، وقد جرى بحث استراتيجية التقارب المغربي الموريتاني وتفاصيل خطة المساعدات الأمريكية خلال لقاء وزير الخارجية الأمريكي في مدريد بوزيري الخارجية المغربي والموريتاني.
كانت هناك ضغوط أخرى تعرضت لها القيادة الموريتانية من طرف فرنسا عن طريق المحيط العائلي لرئيس الجمهورية وقد أثمرت كل هذه الجهود عن انتهاج سياسة جديدة تدعم وجهة النظر المغربية وتم التوقيع بموجب هذا المنعطف على اتفاقية مدريد الثلاثية.
نتيجة لهذا التطور ازداد ارتباط البلاد من جديد بالمصالح الأجنبية وازداد تأثير بعض أفراد القصر داخل دائرة صنع القرار ومهدت هذه الخطوات للتورط في حرب لا تبقي ولا تذر في نهاية 1975م ضد وحدات البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر وقطعت موريتانيا فيما بعد علاقاتها بالجزائر في 7 مارس 1976 وتوقف التعاون الثقافي والاقتصادي وسحبت الجزائر استثماراتها وألقى الرئيس بومدين بثقله لعزل موريتانيا بين ما يسمى حينئذ بالدول "التقدمية".