خطوة أولى هي على الأقل تلك التي تسبق تحرير الموصل وتخفف من ضغط سياسي سيتولد بعده لأن اكتمال تحرير مركز نينوى سيفتح باباً في الدستور وفي العلاقات وفي السياسة يتسع لمواقف الأطراف في الداخل العراقي وخارجه لأنها ببساطة ووضوح إدراك لا يعرف كنهه لدى كل الأطراف بأن المعركة أكبر من معركة تحرير المدينة وأوسع من ملف إعمارها وأبلغ من دروس علم الإدارة وفن السياسة.. زد لها واشنطن.
ثاني المدائن العراقية وعصا التبختر فيها، سيهزها من يحسم تحريرها ميدانياً ولأنها الموصل، بلدة أطياف ومكونات ولأن الجميع اكتوى بنار واحدة. ولأن العراق بلد بني على التوافق فإن معادلة التحرير فرضت اشتراك الجميع. اشتراك أكبر من الميدان والسياسة يتنافس فيه طالبو التحرير وطالبو ما بعده. إدارة المدينة وحدودها الجغرافية ومستقبلها السياسي والإداري وملفها الأمني، كلها تفاصيل لم تحسم بعد وواشنطن حاضرة في التفاصيل.
هي عاصمة داعش فيها ظهر البغدادي أول ما ظهر معلناً نفسه خليفة عارضاً دولته، مهدداً بتمددها، متوعداً بالدم والنار والحديد عسكرياً؟ تنظيمه آيل للسقوط أمنياً؟ تحديات جمّة اجتماعياً واقتصادياً ومشاريع المصالحة، كلها تفاصيل لا ترقى للموصل ولنينوى والعراق بشكله الجديد بعد التحرير لأنه ببساطة ملف أبعد من الحدود ولن ينتهي إلا بتسويات كبرى.
الأطراف المحلية في العراق إن كانت بغداد ممثلة بالتحالف الحاكم أو ممثلي نينوى وحلفائهم، أو الكرد بأوراقهم ضمن المناطق المتنازع عليها ومنها أطراف نينوى، كلها لم تتفق بعد على صورة الموصل بعد داعش لأنها أطراف ببساطة تضع سيناريوهات مختلفة لشكل المدينة وهذه السيناريوهات لا تقاطع فيها بين أي من الأطراف وكلها وفق أُطر وخطوات يراد لها أن تكون مرسومة بحدود الدم خلا بوابتين واحدة أعلنتها واشنطن من باب التحالف الذي تقوده بأن كل الملفات في العراق تحسم عبر بغداد وعراق واحد وفق دستوره وأنها مع أي رؤية سياسية تضمن إغلاق الملف بالتحرير قبل أن يغادرنا العام 2016. وبوابة ثانية خارج التحالف فهي لديها تحفظاتها على مشاركة الحشد الشعبي وفصائل معينة فيه في عمليات مفصلية بالتحرير. وهي قلقة من الكرد وحركتهم صوب المناطق المتنازع عليها وما اعتبروه حدود الدم.
وواشنطن نفسها تريد للمكون المسيحي أن يعود إلى مناطقه في سهل نينوى وجوار الشرق الموصلي لأنه رهان أميركي على النجاح على مديات أبعد من الميدان كما هو الحال بالنسبة للايزيديين.إذا أنهت كل الأطراف نقطة ميدانية رئيسية واتفقت عليها بضرورات التحرير وتشتتت واختلفت على ما بعدها فلا مجال للحديث عن الإعمار ولا مجال للحديث عن الوضع الاجتماعي وإدارة المدينة التي دمرها داعش ودمر أهلها ووصلت شظاياه لمديات بعيدة في الزمان والحسابات السياسية.
الموصل اليوم وما بعد التحرير ليست كما الموصل في حزيران/ يونيو 2014 لكنه واقع يشبه أربيل أيضاً فهي الأخرى ليست بقوتها ومكانتها وتأثيرها في 2014 وبغداد اليوم برغم وضع اقتصادي ورهان عسكري وأمني وضغط أرض محتلة إلا أنها لم تترك الحبل في الحرب على غاربه وهي من أعلن رئيس الوزراء فيها أن لا أمراً واقعاً ولا سياسة ناجحة بهذا الاتجاه ولا يمكن لأي تمدد أن يصبح جغرافيا وإدارة على حساب الحدود المحلية في غمز واضح لأربيل.
يجهد العبادي إذاً بصفته رئيس الوزراء في منظومة سياسية منحته سلطة أن يكون القائد العام للقوات المسلحة وأن يكون صاحب القرار الأخير دستورياً لضمان الحسابات في الميدان وفي السياسة وما بينهما. هو يلملم أوراق تهيئة الحرب ضد داعش وإنهاء الاستعدادات وخلق الجبهة السياسية الموازية للميدان على قاعدة أنها الحرب الوطنية ضد الإرهاب. لكن ثمة مشاغبة مستمرة، أظفارها محلية والرهان عليها أكبر من نينوى لأنها ببساطة نموذج عملي لتصعيد تتبعه التسويات الكبرى والذي لن يؤطره إلا رفض هنا وهناك وتعليقات لم تخل حتى أبسط القرى المحررة جنوب نينوى منها. لما؟ لأنها تحررت وحان وقت إدارتها.
ميدانياً لا تزال الحويجة غرب كركوك والشرقاط شمال صلاح الدين بيد داعش. وقد تفتح بغداد جبهتين أو ثلاث في آن واحد لتوزيع الأدوار بين صنوف عراقية شتى لضمان موقف سياسي أقل ضجيجاً من الحرب. لذا قد تطلب من الحشد وعشائر كركوك العربية وأبناء صلاح الدين المباشرة بعمل ميداني ضمن عقد جغرافية تربط خمس محافظات عراقية وتترك دوراً للحشد بالإسناد والتطويق في نينوى التي تعتمد في ميدانها على جهاز مكافحة الإرهاب.
خطوة أولى هي على الأقل تلك التي تسبق تحرير الموصل وتخفف من ضغط سياسي سيتولد بعده لأن اكتمال تحرير مركز نينوى سيفتح باباً في الدستور وفي العلاقات وفي السياسة يتسع لمواقف الأطراف في الداخل العراقي وخارجه لأنها ببساطة ووضوح إدراك لا يعرف كنهه لدى كل الأطراف بأن المعركة أكبر من معركة تحرير المدينة وأوسع من ملف إعمارها وأبلغ من دروس علم الإدارة وفن السياسة.. زد لها واشنطن.
المصدر: الميادين