المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام يعتمد دراسة للإيسيسكو حول المضامين الإعلامية عن الإسلام في ضوء القانون الدولي | صحيفة السفير

المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام يعتمد دراسة للإيسيسكو حول المضامين الإعلامية عن الإسلام في ضوء القانون الدولي

أحد, 23/10/2022 - 21:54

في ختام أعمال الدورة الثانية عشرة لمؤتمر وزراء الإعلام في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت في مدينة  اسطنبول بالجمهورية التركية، يوم 22 أكتوبر 2022 تحت شعار (مناهضة التضليل الإعلامي وظاهرة الإسلاموفوبيا في عصر ما بعد الحقيقة)، تم اعتماد عدد من القرارات والوثائق أكدت على أهمية التعاون بين الدول الإسلامية في تطوير الآليات اللازمة لمناهضة التضليل الإعلامي ومواجهة التحديات الأخرى ذات الصلة في عصر ما بعد الحقيقة، وبلورة خطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل في المعركة الشاملة ضد التضليل الإعلامي.
   

ومن بين الوثائق المرجعية التي اعتمدها المؤتمر المذكور الدراسة التي أعدتها الإيسيسكو تحت عنوان (المضامين الإعلامية عن الإسلام في ضوء القانون الدولي )، حيث دعا المؤتمر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي إلى الاسترشاد بهذه الدراسة في العمل الإعلامي الإسلامي المشترك، ودعا الإيسيسكو إلى تعميمها على جهات الاختصاص والكليات ومعاهد الإعلام في الدول الأعضاء.
   

وتنطلق الدراسة من مسلمة أكدتها دراسات عديدة مفادها أن ظاهرة الإساءة والتحامل على الإسلام والمسلمين التي اخترقت وسائل الإعلام الغربية ليست وليدة  اليوم، بل إنها متجذرة في علاقة الإسلام والمسلمين بالغرب. ولبحث الموضوع تناولت الدراسة مختلف مظاهر حماية الحرية الدينية، كما هي مدمجة في صلب نصوص الاتفاقيات الدولية، وفي  صلب الإعلانات، والقرارات الدولية، وأيضا في أحكام القضاء الدولي وفي اجتهادات فقهاء القانون الدولي، وفي عمق ثنايا العرف. ولم يكن الغرض من ذلك  الاستجابة لترف فكري قانوني، أو استعراض  للعدة القانونية التي تعج بها مصادر القانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وحتى القانون الدولي للإعلام. كان هدفها أقوى وأبعد من ذلك بكثير. بعضه تتنازعه رغبة في معرفة ما إذا كانت حرية الرأي والتعبير حرية مطلقة لا رادع ولا حدود لها، بحيث قد يسمح، تحت أي مبرر، التذرع بها لضرب الحرية الدينية، وانتهاك حرمات الديانات والإساءة إليها وتشويهها، وجعلها موضع انتقاد ومحل سب وقدف، والإساءة لرموزها. أم أن لهذه الحرية حدود وأنها تقع تحت طائلة مجموعة من الموانع والكوابح التي تجعلها حرية محدودة وغير مطلقة. كما يحكم الدراسة هاجس معرفة ما إذا كانت الحرية الدينية، وبصفة عامة الديانات، محمية هي الأخرى، وبنفس الدرجة التي تعتبر حرية الرأي والتعبير محمية بها على المستوى القانوني. 
     

وأوضحت الدراسة أن محاولة التعرف على الحماية الدولية للحرية الدينية، واحترام الديانات تستوجب إظهار ما إذا كان هناك تصور عالمي مقبول لهذه الحرية. وتظهر أهمية ذلك اليوم نظرا لكون الدراسات والأبحاث الأكاديمية والعلمية الخاصة بالحرية الدينية واحترام الديانات في تزايد. وعليه فإن هدف هذه الدراسة ليس تكرار وترديد ما سبق لهذه الدراسات أن تناولته بالتحليل وتوصلت بشأنه إلى نتائج معتبرة، بل انها، على العموم، تهدف إلى دراسة مظاهر هذه الحرية في تجلياتها الراهنة، وإلى إبراز كيف أن الإساءة إلى الأديان وبالخصوص الديانة الإسلامية، بواسطة مختلف وسائل الإعلام الغربية، أمر مخالف لقواعد القانون الدولي جملة وتفصيلا. وهي ظاهرة خطيرة تتزايد يوما بعد آخر، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، من بلد غربي إلى آخر،  خلافا لما تتضمنه قواعد القانون الدولي على المستوىين العالمي و القاري من مبادئ تحرم الإساءة إلى الأديان وتؤكد على التسامح وتنبذ مختلف صور التمييز، سواء  أكان عرقيا أو إثنيا أودينيا. كما أنها تهدف الى شجب استغلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والاليكترونية لهذا الغرض، خاصة وأنه قد صدرت كتب وصنعت  أفلام أوغلت  في الإساءة إلى الرموز الدينية الإسلامية، وتلتها رسومات ومقالات صحفية، وتعليقات مبثوثة على المواقع الإليكترونية، تخرق بصورة فاضحة مبادئ التسامح، وتسيء للإسلام تحت مبرر حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وغالبا ما يقف الذين يتذرعون بذلك عند "ويل للمصلين"، لتبرير ما تطفح به سرائرهم  اللئيمة، وما يخدم نزعاتهم العنصرية وكراهيتهم لكل ما له علاقة بالعرب والإسلام والمسلمين، والمهاجرين بصفة عامة، ومختلف الأقليات التي تقيم في الغرب.

من هنا كان البحث في الموضوع محفوفا بصعوبات شتى.ولمقاربة المسألة المدروسة طرحت الدراسة أسئلة جوهرية من قبيل : كيف ظهرت  قضية حرية الرأي والتعبير ومعه الحرية الدينية، في العلاقات الدولية منذ 1648 عند نهاية الحروب الدينية، بل مند الحروب الصليبية، وكيف أثيرت من جديد في القرن 19 في القانون الدولي، وإبان الحرب الكونية الأولى، ثم كيف نظمت في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وكيف عادت من جديد إلى الظهور بعد الثورة الإيرانية، والإنهزام السوفياتي في أفغانستان وبعد حرب الخليج الثانية، وقيام النظام العالمي الجديد، وظهور فكر فوكوياما وهنتينغتون، وأحداث 11 سبتمبر 2001 وماتلاها.
     

عبر هذه المسافة الزمنية الشاسعة تشكل الإطار القانوني لحرية الرأي والتعبير ومعه الحرية الدينية، وعبره تم كذلك خرق القواعد القانونية المنظمة لحرمة الأديان تحت مبرر حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير. انطلاقا من ذاك، ولكي يتم  تفكيك إشكالية  خرق قواعد القانون الدولي بصدد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بواسطة الدعامات الإعلامية، تم تمحيص المصادر والآليات الدولية لحماية هذه الحرية وتحريم وتجريم الإساءة إلى الأديان، تحت طائلة خرق الآليات القانونية الدولية الخاصة بالحماية الدولية للحرية الدينية واحترام الأديان.
     

كما تم استنطاق المقتضيات المضمنة في الوثائق القانونية الدولية وقراءة مختلف تفسيراتها المستخلصة من الإجتهاد القضائي والقانوني، وكذلك من مختلف الآليات الخاصة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان. وكان الهدف من هذا الاستنطاق هو تفنيد ما هو سائد في جل الدراسات التي تناولت موضوع حرية الرأي والتعبير، التي زعمت أن قواعد القانون الدولي لم تتعرض أو تهتم بالسب أو القدف والإساءة للأديان، في الوقت الذي شددت فيه على التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين، دون أن تهتم بسب وإهانة الأديان. وعلى ذلك غالبا ما يتم التساؤل حول ما إذا كانت إهانة الديانة تنطبق عليها المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان؟ 
     

إن المفاهيم الثلاثة الآتية: الإساءة – السب- القذف، المتعلقة بالدين، لم تتم الإشارة إليه بوضوح في وثائق الجهاز الاتفاقي الدولي لحقوق الإنسان، ولا في الجهاز الاتفاقي الإقليمي. لكن هناك من يرى أن السب وإهانة الديانات كمبدأ، وان لم يكن معروفا في القانون الدولي، إلا أنه بدأ في الظهور من داخل الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة.ويتضح من خلال ما ورد في هذه الدراسة، أن موضوع إساءة وسائل الإعلام الغربية إلى الإسلام، يحمل في طياته الكثير من الخروقات القانونية التي تضرب في الصميم قواعد القانون الدولي، ويتم ذلك من خلال  الإنتاج  الإعلامي  للدول الغربية، وهو إنتاج  متحامل على الإسلام والمسلمين، و يسعى إلى تشويه صورتهما، مسخرا  في ذلك كل ما هو متاح له من إمكانيات وكفآءات غاية في الدهاء، وفي الجدل الفكري والفلسفي والقانوني.

و ترمي هذه الوسائل الإعلامية من خلال هذا الإنتاج إلى تطويع ولي عنق القواعد القانونية المتفق عليها دوليا، بإعطائها تفسيرات مغايرة في عمقها لمضمونها الحقيقي، ومناقضة لإرادة المشرع الدولي عند وضعها. وتبرر في كثير من الأحيان موقفها ذاك باللجوء إلى إجراء قراءات في تدخلات ممثلي بعض الدول حول قضايا بعينها، كأن تطرح تعارضا لجزء من النص مع قانونها الداخلي الوطني، أو تقدم تحفظا عليه، أو تصدر تصريحا أو تفسيريا بشأنه. لقد أوضحت الدراسة ومن خلال استعراض سلسلة من القواعد القانونية، سواء منها المدمجة في الاتفاقيات الدولية أو في الإعلانات والقرارات الدولية، وأحيانا في بعض الاجتهادات الفقهية والقضائية، أن حرية التعبير والإعلام تحدها الحرية الدينية. وهكذا قد لا يسمح، تحت مبرر التذرع بحرية الرأي والتعبير، إنتهاك حرمة الديانات والإساءة إليها وتشويهها، أو جعلها محل انتقاد وسب وقدف وإساءة لرموزها. 

كما أكدت الدراسة أن الحق في الحرية الدينية يعتبر من القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث لا ينبغي الاتفاق على ما يخالفها. إنها مثل حرية الرأي والتعبير، فهما حريتان مطلقتان ولا يمكن أن يتم تقييدهما إلا بموجب قانون وفي ظروف استثنائية. ومعنى هذا أن حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تتغول على الحرية الدينية،  كما أن الحرية الدينية لا يمكنها أن تستأسد على حرية الرأي والتعبير. إن  نقاش هذه الإشكالية  قد أظهر بعض الاختلاف بين جزء من الفقه القانوني الدولي الغربي، وبين الاجتهاد الفقهي القانوني الدولي الإسلامي، وهو أمر تمت الإشارة إليه في صلب هذه الدراسة، وإن كان كلاهما يتشبث باحترام حقوق الإنسان، وعدم انتهاكها في الدفاع عن الحريتين.

و أظهرت الدراسة أن حماية الحرية الدينية كانت متجذرة في قواعد القانون الدولي، وقد عاد الإهتمام بها أكثر في السنوات الأخيرة بقوة داخل أجهزة الأمم المتحدة. وبينت الدراسة  كيف تم الربط بين عودة العنصر الديني في العلاقات الدولية، واهتمام الأمم المتحدة بموضوع الإساءة إلى الأديان، حيث كانت البداية مع تكريس احترام المعتقدات الدينية بموجب إعلان 1981، وإعلان 1992، مع التأكيد  على أن مفهوم الإساءة إلى الأديان، ازداد الاهتمام به داخل أروقة الأمم المتحدة ومن خلال بعض الأجهزة التابعة لها، مثل الجمعية  العامة، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، مباشرة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بقليل وما بعدها.
 

لقد تبنت هذه المؤسسات مجتمعة فكرة تحريم الإساءة إلى الأديان وسبها وقدفها، وسب الذات الإلهية، وشددت على أن الأمم المتحدة، جعلت موضوع إهانة وتحقير الأديان والسخرية منها، مرادفا تماما للحث على العنصرية وعلى الكراهية الدينية. وهكذا حاولت عبر العديد من القرارات الصادرة عنها توضيح ذلك بالتفصيل، وكانت البداية في هذا الصدد متزامنة مع ما طرحته الباكستان باسم المجموعة الإسلامية داخل مجلس حقوق الإنسان في سنة 1999. وبعد ذلك، سوف نلاحظ سنويا كيف أن الجمعية العامة، وأحيانا مجلس حقوق الإنسان، أو مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تدعو الدول إلى توفير الحماية الملاءمة ضد جميع الانتهاكات ذات الصلة بموضوع سب وقدف الأديان، منذ سنة 2000 حتى الآن. ولعل أهم هذه القرارات هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في أبريل سنة 2011.

ولاحظت الدراسة أنه ، رغم الجهود المتوالية التي تبدلها الدول الإسلامية، والتي تجد سندها في اجتهادات القضاء الدولي، وفي الاجتهاد الفقهي الدولي الرصين، فإن مسالة الإساءة إلى الأديان، كل الأديان، بواسطة وسائل الإعلام هي في تصاعد مستمر،  مما يستلزم التفكير في إيجاد حلول لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد حدة وقوة من حين لآخر. لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هل يتم ذلك بفرض قيود على حرية الإعلام وبالتالي على حرية الرأي والتعبير؟ أم بإطلاق العنان لها دون حسيب ولا رقيب؟ أم بجعل حق احترام الديانات وحرياتها نداً مساويا لحرية التعبير عن الرأي؟ لأن طغيان أحدهما على الآخر، قد يؤدي إلى انتهاك مبدأين ن قديمين ان متأصلين  في  منظومة حقوق الإنسان، لا يمكن التضحية بأحدهما من أجل الحفاظ على الآخر، إنهما طرفان في معادلة شائكة ومعقدة الحل،  لأن طغيان أحدهما أو استخدامه بتعسف قد يلغى الآخر ويعدمه.

ورغم ذلك فهناك محاولات حثيثة، سواء من داخل منظمة الأمم المتحدة أو من طرف المجموعة الإسلامية البالغ عدد دولها 57 دولة و المتكتلة في منظمة التعاون الإسلامي، وفي جهازها الثقافي والإعلامي الإيسيسكو، للدفع بحماس وبكثير من الجرأة  وبعد النظر، الى التوفيق بين الأمرين الشائكين، طرفا المعادلة. وقد أصبحت  هذه المجموعة اليوم، أكثر حماسة من أجل وضع قانون دولي لحماية الأديان دون المساس بحرية التعبير، وهي الدعوة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين. 

واستنتجت الدراسة أن  الأمر يتطلب  وضع اتفاقية دولية تحرم وتجرم الإساءة إلى الأديان، كل الأديان السماوية، مع الأخذ في الاعتبار أن الخوض في الإساءة إليها بواسطة وسائل الإعلام، من الأمور المقيدة لهذه الحرية. ويجد تبرير هذا المنع  أسسه في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و بالخصوص الفقرة الثالثة منه، كما يجد أسسه في المادة 20 من نفس العهد،  وفي اتفاقيات وإعلانات أخرى أهمها "الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة  الفصل العنصري و قمعها" لسنة 1973، بالإضافة إلى مختلف وثائق الشرعة الدولية لحقوق  الإنسان، وأيضا إعلان سنة  1981 بشأن "القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد".
 

وإذا كانت هذه هي الأسس التي أدت إلى وضع اتفاقية دولية لحماية الأديان من التشويه والإساءة، فإن بعض الدول  بدأت تتأثر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 2011، فصارت تكيف قوانينها الداخلية مع هذا القرار،  وإن كان ذلك يتم بخجل شديد، خاصة بعدما طالبت الجمعية العامة من الأمين العام تقديم حصيلة تأثير قرارها السالف الذكر على واقع تشريعات الدول الأعضاء. وأكدت الدراسة أن مسألة وضع قانون دولي ملزم، يتم بموجبه احترام الأديان ومنع "التجديف" أمر ضروري وملح في ظل الواقع الدولي الحالي، حيث تنتشر وسائل الإعلام ويتم تسخيرها للكراهية الدينية والعنصرية. ويتعين على هذا القانون أن يميز بين حرية الرأي والتعبير من جهة، والإساءة إلى الأديان و اعتبارها  بمثابة مساس بحقوق الإنسان من، جهة ثانية.
     

تجذر الإشارة إلى أن الإيسيسكو أصدرت هذه الدراسة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية عام 2016 ، وقد أعدها الخبير المغربي في القانون الدولي وحقوق الإنسان الدكتور علي كريمي بطلب من الإيسيسكو في إطار أنشطة مركز الإعلام والاتصال ، واعتمدها المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الثقافة الذي عقد في مسقط بسلطنة عمان، في نوفمبرمن عام 2015 .

 

  المحجوب بنسعيد / الرباط