لعله من الأشياء التي تسعد المرء كثيرا ، ان لا يحط الرحال في بلد من البلدان خاصة في الوطن العربي ، إلا ووجد في هذا المكان او ذاك أحبة واصدقاء من سدنة الحرف والإبداع وشركاء الهم في الشعر والإعلام ودرب الصحافة والثقافة ، ورغم أني لا أعتبر نفسي من رواد هذه المدارات الكبرى، إلا أنني أحيانا وانا أقف على رصيف الطريق ، اعتز كثيرا بصداقات قديمة ومتجددة بين الأمس واليوم وخاصة في المملكة العربية السعودية التي عرفت المشهد الثقافي والإعلامي فيها مبكرا وانا في ريعان الشباب بداية التسعينات، عندما شاركت شاعرا وإعلاميا في محافلها الأدبية والثقافية الكبرى ، منذ الدورات الأولى لمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة بالرياض عامي 1993 و1994 , الدورة الثامنة والتاسعة ثم استمر التواصل حتى عام 2012 , أثناء مشاركتي في الدورة السابعة والعشرين لمهرجان الجنادرية في الرياض ، تاريخ اعتمادي أيضا كأول مراسل لقناة الثقافية السعودية في موريتانيا لمدة خمس سنوات حتى عام 2017 , وبين هذا وذاك لم تنقطع الزيارات للمملكة التي ازداد فيها رصيدي الكبير من العلاقات الشخصية مع عدد هام من الأدباء والمثقفين والشعراء والإعلاميين ، ما زلت على تواصل معهم حتى الآن رغم مرور عقود من الزمن ، حللت فيها ضيفا على برامج الإذاعة والتلفزيون السعودي ، وكاتبا في بعض الصحف والمجلات السعودية مثل الجزيرة والمجلة العربية ، ضيف شرف على وزارة الثقافة والإعلام مدعوا لموسم الحج ، حظيت فيها بشرف اللقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، في دعوته الكريمة لضيوف المملكة من كبار الأدباء والإعلاميين في قصره بمكة في موسم الحج عام 1436 هجرية ، كما كان لي الشرف هذا العام بإلقاء كلمة الوفود الإعلامية للدول الإسلامية في الحفل الكبير الذي أقامه آنذاك على شرف ضيوف المملكة وزير الثقافة والإعلام في فندق هيلتون بجدة ،وكلها محطات وتكريمات اعتز بها باسم موريتانيا بلاد شنقيط وأرض المليون شاعر .
والليلة ومن أطياف تلك الذكريات زارني في الفندق بالرياض احد اصدقائي الأعزاء ،وهو الشاعر والأديب والإعلامي السعودي البارز محمد عابس الذي يحتل الآن منصبا ساميا في وزارة الإعلام السعودية ، فهو المدير العام لإدارة العلاقات الدولية في وزارة الإعلام ومذيع وكاتب وصحفي مخضرم ، إضافة إلى كونه شاعرا واديبا له عدد من الكتب والمؤلفات اهداني بعضها الليلة ، قبل أن يطوف بي بسيارته الخاصة في جولة واسعة بأحياء مدينة الرياض القديمة والحديثة ، مدينة الأنوار والأبراج الشاهقة في كل مكان ، حتى استقر بنا المسير في حي الياسمين بالرياض وهو حي جميل وحديث يعج بالمقاهي والمطاعم والأماكن العامة ، حيث قضينا هنالك جلسة أدبية وثقافية حلوة ، سرعان ما التحق بنا فيها صديق آخر من أبرز شعراء وادباء السعودية اليوم هو الشاعر الكبير عبد الله الصيخان ، الذي يشغل هو الآخر منصبا إعلاميا كبيرا في الرياض الآن كرئيس تحرير لمجلة اليمامة الأسبوعية المعروفة ، والتي تنتمي لأعرق مؤسسة إعلامية اليوم في السعودية هي مؤسسة اليمامة للصحافة والنشر ، التي اسسها علامة الجزيرة حمد الجاسر وتصدر عنها صحيفة الرياض اليومية ومطبوعات أخرى هامة ، وتخرجت منها أجيال من الكتاب البارزين في السعودية .
وعبد الله الصيخان أيضا شاعر بارز من مدينة تبوك ، شارك في عدة مهرجانات شعرية وثقافية عربية مثل مهرجان المربد وجرش وغيرها وله دواوين شعرية آخرها ديوانه الشعري ( زيارة ) .
ليست هذه زيارة عابرة الليلة بالرياض ، فقد التقيت قبل ذلك بأصدقاء آخرين فيها ، مثل الصديق والكاتب الدكتور فيصل خلف ، الذي شرفني بزيارة خاصة اهداني فيها آخر إصداراته بعنوان ( كتاب اليوم ) في جلسة أخوية رائعة بمقهى فندق الفيصلية ، والدكتور فيصل خلف هو أديب سعودي شاب ، رغم تخصصه العلمي كطبيب أسنان إلا أنه من جيل جديد من الأدباء السعوديين الواعدين والطموحين لآفاق واسعة في المشهد الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية اليوم ، وعلى ذكر الطب والأطباء، لابد أن أشير هنا إلى أن رحلتي من باريس مباشرة إلى الرياض ، بداية هذا الشهر أيلول سبتمبر ، قد بدأت أولا بالتعرف على طبيب سعودي كان يجلس بجانبي في المقعد بالطائرة ، غاية في دماثة الخلق وحب الموريتانيين هو الدكتور مانع الشهري ، الذي كان يحضر مؤتمرا طبيا في مدينة ليل الفرنسية ، وقد حدثني اولا عن مشواره الطويل في دراسة الطب ، وخاصة تخصص أمراض السرطان بجامعة هارفارد العريقة ، ثم اكمل ذلك بسبع سنوات اخرى من دراسة هذا التخصص في كندا ، قبل ان يعود إلى السعودية لممارسة المهنة ، في حين كان حديثه الآخر منصبا على الإعجاب بأبناء بلاد شنقيط وعلو كعبهم في فصاحة اللغة والشعر العربي ، هذه المآثر الخالدة التي تميزهم عبر العصور ، وقد شعرت بفخر كبير واعتزاز وانا اسمع من هذا الطبيب السعودي البارع مثل هذه الانطباعات والمشاعر العميقة والصادقة جزاه الله خيرا .
ولعل العنصر الجميل والجامع بين كل هؤلاء الأصدقاء في بلاد الحرمين الشريفين ، هو محبتهم الخاصة لموريتانيا مهد الشناقطة وحراس الشعر العربي ولغة الضاد الناصعة في الألواح والأرواح ، فموريتانيا اليوم بالنسبة لهم منارة إشعاع أدبي وعلمي تعبر عنه باستمرار تلك الدبلوماسية الثقافية في كل المنابر والمحافل مثل حضورها اليوم بالرياض لأعمال لجنة التراث العالمي في اليونسكو ، والتي شكلت فرصة سانحة على هامشها لتلاقي الأدب الموريتاني والسعودي على صعيد واحد ، ولو بشكل ترفيهي حر في مقاهي الرياض وشوارعها ومنتدياتها العامة الجميلة في عهد جديد ، يتسم بالتطور والتنوير والانفتاح مع الحفاظ على ثوابت الأصالة والتراث والثقافة العربية .
_______
سيدي ولد الامجاد