بحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن عقود زواج عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية» في مدينة سرت تضمنت نوعاً جديداً من مؤخرات الصداق: حزام ناسف أو بندقية كلاشنيكوف.
عقود الزواج هذه، بحسب الخبر، صدرت عن «ديوان القضاء والمظالم» التابع للمحكمة الشرعية التي أقامها التنظيم بعد سيطرته على المدينة في حزيران/يونيو 2015 الماضي، وأحد أمثلتها كان عقد نكاح رجل يدعى أبو منصور التونسي بمريم النيجيرية وحضر العقد الشاهدان أبو عبير السوداني وأبو سعيد المالي. مقدم صدّاق العريس كان حزاماً ناسفاً تستلمه عند وفاته أو في حالة الطلاق فيما قدّم عقد زواج آخر بندقية كلاشنيكوف كمؤخر صداق!
يحفل هذا الخبر بدلائل مثيرة جدّاً ولكنّ أول ما يتبادر للذهن هنا هو ربط فعل حياتيّ كالزواج ربطاً وثيقاً بالموت، فمؤخّرا الصدّاق في الحالتين هما آلتان تحيلان للقتل والموت بقدر ما أن الزواج فعل يحيل على التجدّد والحياة.
على المستوى السياسي تلخّص علاقة بندقية الكلاشنيكوف الحاليّة بالحزام الناسف مسيرة تاريخية طويلة بدأت مع ميخائيل كلاشنيكوف المولود في سيبيريا لعائلة فلاحين، وبعد أمر ستالين بتصفية طبقة «الكولاك» هذه كانت عائلته محظوظة لأنها لم تقتل رميّا بالرصاص ولكنهم رحّلوا إلى معسكر عقوبات على بعد 800 كيلومتر فمات الأب من الإعياء وسُجن الأخ الأكبر وتزوجت أمّه شخصاً آخر، وانتهى به الأمر رقيباً في الجيش. كلاشنيكوف هذا اخترع سلاحه بمبادرة ذاتية وكان يمكن، في أجواء الاتحاد السوفييتي الاستخبارية، أن يُعدم على إبداعه هذا، وببعض الحظ لم يحصل ذلك ولكن رشاشه رُفض.
هذا الاختراع عام 1947 سيحدث تغييرا كاملا في الطريقة التي تستخدم فيها الأسلحة في جبهات القتال وسيغيّر خلال خمسين عاماً العالم بأسره، وسيصبح رمزاً عالميّاً لحروب العصابات والثورات، من فيتنام التي استطاعت هزيمة أمريكا وإخراجها عام 1973، إلى فلسطين التي ظهرت صورة زعيمها ياسر عرفات عام 1968 في مجلة «التايمز» الأمريكية وهو يحمل بندقية كلاشنيكوف. مع انتهاء هاتين اللحظتين الأيقونيتين يمكن أن نلاحظ بداية التحوّل التاريخي في العالم والذي بدأ تسويق الإعلام الغربي له من المقاومة إلى الإرهاب فبعد احتلال إسرائيل للبنان لطرد المقاومة الفلسطينية عام 1982 جاءت حروب أفغانستان والعراق العديدة.
مع احتلال لبنان قامت القوّات الإسرائيلية بالاستيلاء على آلاف من أسلحة كلاشنيكوف التي وجدت طريقها بعد ذلك عبر أجهزة المخابرات الأمريكية والباكستانية إلى مجاهدي أفغانستان ليقاتلوا روسيا التي اخترعت البندقية، ويعلّق الكاتب الصحافي البريطاني مايكل هوجّز على ذلك بقوله إن إحدى تلك البنادق قد تكون وصلت أسامة بن لادن وربما ظهر في الصورة الشهيرة له وهو يحمل البندقية معلناً مسؤوليته عن هجمات نيويورك.
تلخّص هذه الصورة النقلة التاريخية التي تعلن مزاوجة البندقية للحزام الناسف الذي أصبح علامة فارقة جديدة تميّز الحركات السلفيّة المسلّحة رغم أنه بدأ في مكان نزاع آخر (مع «نمور التاميل» في سريلانكا)، وتحوّل، مع الكلاشنيكوف، من أسلوب لمقاومة خصم مدّجج بكل أشكال الأسلحة الجبّارة (كما كان حال الفلسطينيين واللبنانيين مع إسرائيل وحال المقاومين لاحتلال أمريكا في العراق) إلى انتشار الإرهاب العابر للقارّات عبر تنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية».
أما كلاشنيكوف نفسه، وعلى عكس مخترع بندقية M16 الأمريكي يوجين ستونر الذي كسب الملايين من اختراعه، فبقي يعيش على تقاعد ماليّ بسيط مع أوسمة وجوائز لينين وستالين إلى أن عرض عليه مليونير بريطاني استثمار اسمه في صنع علامة جديدة لفودكا باسم كلاشنيكوف وهو الذي أعلن يوماً أنه يتمنى جمع بنادق الكلاشنيكوف كلها في العالم وتدميرها لأنها لم تعد لدفاع الجنود عن أوطانهم فحسب بل لقتل المدنيين أيضاً.
لكن الجنرال العجوز الذي نجا من النظام السوفييتي الشمولي الذي قتل الملايين باسم دولة العمال يعرف بالتأكيد أن بلده من أكبر تجار هذا السلاح في العالم، وأنه يساهم في قتل المدنيين يوميّاً أكثر مما يستطيع إرهابيو العالم أجمع أن يفعلوا، وهذا، ربّما، كان دافعاً آخر لديه لربط اسمه بعالم الفودكا بدل السلاح كما ربط جهاديّو سرت الزواج بالحزام الناسف.