بعدما طال أمد الاستنزاف وتضاعفت الضربات العسكرية الموجعة لجأ النظام إلى المغرب. تقول الحكمة في هذا المقام "إن الاتكال على حمارك خير من الاتكال على حصان غيرك".
كان ذلك بعد أن عجزت طائرات الميراج أن تؤمن النصر وبعد أن لم يعد بوسع النظام الصمود لم يبق إذن أمامه سوى أن يخوض الحرب تحت مظلة الوحدات العسكرية المغربية.
أعلنت المغرب استعدادها لتحمل أعباء "صمود" موريتانيا في وجه هجمات البوليزاريو ووقع الطرفان معاهدة للدفاع المشترك تشكلت بموجبها الهيئة العليا للدفاع وتم بموجب هذه الاتفاقية أيضا إرسال عشرة آلاف جندي مغربي إلى الأراضي الموريتانية.
موازاة مع ذلك واصلت فرنسا إرسال مظلييها ومستشاريها العسكريين إلى ميدان المعركة لحماية مصالحها ومواطنيها الذين أصبحت الجبهة تستهدفهم بل إنها احتجزت أعدادا منهم كرهائن بعد هجوم شنته بتاريخ 1/5/77 على مدينة ازويرات التي ظلت تأوي جالية فرنسية تقدم في الأساس بعض الدعم الفني لشركة اسنيم.
لم تستطع كل تلك المساعدات حماية الثغور الموريتانية المكشوفة من وحدات الجبهة الشعبية التي تجيد لعبة الكر والفر والمدعومة من طرف الجزائر وكوبا ودول أخرى.
بدا أن الوضع يسير في اتجاه تحولات أصبحت وشيكة حيث استنزفت مخازن الجيش ولم يعد بالإمكان تسديد رواتب الجنود.
أمام هذه الوضعية طلب قائد القوات المسلحة آنذاك "المصطفى بن محمد السالك" من وزير الدفاع "محمذن بن باباه" الترتيب لعقد اجتماع طارئ لكبار الضباط مع السيد الرئيس من أجل تدارس الموقف وتدارك حالة الجيش الذي لم يعد قادرا على مواصلة الحرب.
أسفر الاجتماع الذي انعقد تلبية لرغبة كبار الضباط عن إصرار الرئيس على الصمود مؤكدا أنه لم يجد مخرجا يمكن معه حسم هذه القضية وبالتالي فلا أمل في إنهاء الحرب ودعا الضباط والجنود إلى أن يشدوا الأحزمة، وفي الختام لم يستبعد الرئيس تقديم مساعدات نقدية عاجلة لصالح أفراد الجيش توضع تحت تصرف وزير الدفاع ورئيس الأركان وأكد عزمه طلب مساعدات عسكرية عاجلة.
بعيد هذا اللقاء تم استدعاء وزير الدفاع ورئيس الأركان من طرف الرئيس –وكأني به قد استشعر وجود أمر ما يدور في نفوس القادة العسكريين- ليستفسر عن مغزى هذه البادرة مع أنه كان قد علم من مصادر أمنية وجهات خارجية أن ثمة حركة ما تسعى لقلب النظام.
لم يعمل المختار رغم ذلك بمقتضى ما علم وذلك إما لعدم ثقته بصحة ما وصل إليه أو لأنه لا يمكن أن يفاوض الجبهة من موقف ضعف وبدأ يستشرف مخرجا يكون بالنسبة له مشرفا من هذه الأزمة.
لقد رفض في تلك الفترة استقالة اثنين من أعضاء حكومته بدعوى أنه لا يمكن لأي طرف أن يتخلى عن مسؤولياته ويتجرد من تبعاتها ليتحملها الآخرون وقال لقائد القوات المسلحة حسب رواية موثوقة المصادر بعد الاجتماع المذكور آنفا وأثناء مائدة عشاء حضرها وزير الدفاع "إذا أردتم انقلابا عسكريا يوما ما فأعلموا أن الشعب ضعيف".
إن هذا يعزز فرضية وضعها كثير من المراقبين والمحللين وهي أنه كان يبحث عن مخرج من هذا المأزق ولو أدى به ذلك إلى ترك الحكم، ويؤكد ذلك عدم تجاوبه أيضا مع ما كان يصل إليه من أنباء عن التحرك العسكري خاصة من طرف الدكتور "عبد الله بن اباه" الذي كان وقتها واليا لمدينة انواذيبو والذي بعث بتقرير إلى الرئيس يكشف عن أن "المصطفى ولد محمد السالك" هو الذي يقف وراء ما يجري تدبيره وطالبه بإلغاء قرار تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة، كما أنه أي عبد الله بن اباه بعث رسالة بهذا الشأن إلى وزير الدفاع.
كانت لدى عبد الله بن اباه شكوك قديمة جديدة حول هذا الضابط فقد عملا معا بداية الستينات في مدينة العيون وكانا يسكنان معا وكانت تربطهما علاقات طبيعية.
كان عبد الله يرى المصطفى غامضا بعض الشيء، منزويا "مولعا بالقراءات الانقلابية" وذكر هذا لبعض الثقاة رووه منذ ذلك الحين: فلئن كان طبيبا ماهرا جدا فقد كان له أيضا فيما يبدو "حس أمني مرهف".
لما تيقن الدكتور الولي من شكوكه ولم تجد إبلاغاته عبر القنوات المعهودة آذانا صاغية انتدب من يحمل رسالة شخصية مستعجلة إلى وزير الدفاع ضمنها تفاصيل دقيقة قرأها "محمذن" ثم عرضها على "المختار" الذي قرأها هو الآخر وقرأها مرة أخرى ثم قال: "بالنسبة لي المصطفى رجل وفي وليس لدي ما يعضد هذه الشكوك". كان لمحمذن ولد باباه فيما يبدو نفس الرأي.
لقد رفض المختار تصديق كل ما كان يصل إليه عن الانقلاب الوشيك.
هناك جانب آخر من هذا الموضوع لابد من إثارته وهو أن عملية الانقلاب لم تكن عملية سرية تتم إدارتها في الخفاء فكل الأوساط السياسية والأمنية والدبلوماسية كانت على علم بتفاصيله وأبلغت قمة الهرم السياسي بذلك.
كيف تسربت المعلومات عن تفاصيل الانقلاب؟ ولماذا لم يحرك المختار أي ساكن لإحباطه رغم أنه وجد الوقت الكافي لذلك؟ أسئلة لا زالت مطروحة رغم مرور ربع قرن على هذه الأحداث.