كان كل شيء قد أخذ شكله النهائي وتداعت الوحدات العسكرية من جبهات القتال إلى انواكشوط للمشاركة في استعراض عسكري يتم تنظيمه في تلك الفترة.
واجتمع والي انواذيبو بوزير الدفاع في الخامس من يوليو أي قبل الانقلاب بخمسة أيام وأكد له مرة أخرى ما سبق أن حذرهم منه ووضع أمامهم مؤشرات جديدة توحي بتورط قائد القوات المسلحة فيما يجري الترتيب له.
رغم أن وزير الدفاع السيد "محمذن ولد باباه" أعرب للوالي عن ثقته الشخصية بـ"ولد السالك" إلا أنه التزم بأن يشرح من جديد طبيعة الموقف للسيد الرئيس وأن يقدم إليه كل الدلائل التي وضع بين يديه بما فيها توقيت العملية والعناصر المدبرة لها.
كان الانقلابيون يضعون اللمسات الأخيرة في الخفاء أو "ما يعتقدون أنه ذلك"، كانوا يوزعون الأدوار وتم تكليف أحمدو ولد عبد الله بمدينة انواكشوط.
بعد ذلك بيومين بعثت لجنة تنسيق الانقلاب برئاسة "المصطفى ولد محمد السالك" رسلها إلى قادة أهم المناطق العسكرية وكان من بينهم رسلها "محمد خون بن هيداله" وقد أنيطت به مهمة الاتصال بقائد منطقة ازويرات ذات الأهمية العسكرية المقدم "حمود بن الناج"، بعد مراسيم الاستقبال طالب "محمد خون بن هيداله" من مضيفه أن يعجل بإجراءات تسليم كل ما يخضع لقيادته من قوات ومخازن وذخيرة، ولأن الوقت كان متأخرا فقد التمس منه حمود أن يرجئ الأمر حتى الصباح من أجل استيفاء النواحي الإدارية.
يبدو أنه كان في حيرة من أمره فالمخازن مغلقة ومعظم أفراد الجيش خارج ثكناتهم، لكن "ولد هيداله" أصر على إنهاء الأمر في تلك الساعة فلم يكن بد من أن يستجيب له "ولد الناج" رغم امتعاضه من عدم استكمال النواحي القانونية خاصة أنه يجهل إلى حد الآن خلفيات القضية ودواعيها.
بعد عمليات التسليم اقترح المقدم حمود على ضيفه أن يقوما بنزهة خارج المدينة للعشاء تحت الخيام وحاول منه أثناء ذلك أن يطلعه على طبيعة المهمة وأسباب الاستعجال فوعده بأن يفصل له الأمر بشرطين: أن يكونا في غرفة نوم قائد المنطقة ولن يقوم بتسليمه جميع مفاتيح الشقة وعندما استجاب لطلبه أعلن له نبأ الانقلاب الوشيك.
كانت لجنة الانقلاب قد انتدبت أيضا "محمد الأمين ولد الزين" إلى انواذيبو، حضر صباح الـ10 يوليو إلى منزل الوالي وبدأ يعطي أوامره للعسكريين في المداومة والحراسة بقطع المواصلات وبمنع الدخول والخروج.
جلس في الصالون مع الوالي وآخرين في صمت جنائزي زهاء ساعتين إلى أن تمت إذاعة أول بيانات اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني.
وبإذاعة هذا البيان تم طي صفحة هامة من تاريخ هذا البلد.
كانت صفحة مليئة بالأمل والألم، لكن بطيها فتحت صفحة جديدة لها آمالها وآلامها هي الأخرى.
كان المختار يحمل طموحات كبيرة لموريتانيا.
الطموحات الكبرى يجب أن تكون مبنية على تقديرات صحيحة وضمانات أكيدة.
صحيح أنه كان يخطط لضم الصحراء بدون حرب وكانت القيمة السياسية للرجل مرشحة للتضاعف وهذا يسيل لعاب السياسيين كثيرا.
صحيح أنه أقدم على ما أقدم عليه عن حسن نية، حسن النية هذا ضروري جدا لكنه لا يكفي وحده.
لم يكن له الحق في أن يخطئ أو يسيء التقدير وهو الواقعي العارف بتفاصيل وظروف بلد قاده حتى الآن بخطى قصيرة ومحكمة، إن الخطأ يكون كبيرا بقدر ما كان صاحبه كبيرا.
كيف أساء التقدير؟ ما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟
كان المغرب فيما يبدو حاضرا دائما في السياسة الداخلية الموريتانية وكان البلدان كأنهما مرتبطان بشعرة معاوية.
انصرمت هذه الشعرة مرة أولى حين شدها "المختار" لتقريبنا كثيرا من المغرب؛
انصرمت مرة ثانية حين شدها "ولد هيداله" لإبعادنا كثيرا عنه.
كانت محصلة الحرب كارثة بكل المقاييس لقد خسرنا الصوف والخروف، خسرنا الجزائر دون أن نربح المغرب، خسرنا الصحراء وخسرنا الصحراويين، خسرنا أكثر من ذلك. لقد خسرنا أنفسنا ونظرة العالم إلينا كشعب مسالم.
إن الحرب تحول المجتمعات بما تجلبه من دمار وجوع ويتم وانحراف.
إن القوة الوحيدة التي تنامت في ظل الحرب هي الجيش وهذه معطاة اجتماعية لها دلالاتها أغفلها السياسيون فيما يبدو وسيكتشفونها فيما بعد لكن بعد فوات الأوان أيضا.