شكل قرار السلطات الموريتانية وقف البنود المخصصة في الميزانية العامة للدولة، لدعم الصحف من خلال الإعلانات والاشتراكات، الصحفية، صدمة لملاك الصحف الورقية المستقلة بموريتانيا، وبات ينذر بإفلاس جميع الصحف الورقية في البلاد، التي تعاني أغلبها أصلا من مشاكل في مصادر التمويل.
وأعلنت الصحف الورقية الموريتانية (باستثناء جريدة الشعب الحكومية) الاحتجاب عن الصدور، غدا الأربعاء، وذلك لفتا لانتباه السلطات والفاعلين الوطنيين والشركاء الدوليين إلى المرحلة الصعبة التي تمر بها هذه الصحف، في الوقت الذي تتحدث فيه السلطات عن أسباب "تنظيمية" وراء قرار وقف الدعم.
وتصدر في الوقت الحاضر، 9 صحف (يومية وأسبوعية) بانتظام، من أصل نحو 80 صحيفة (يومية وأسبوعية وشهرية) تصدر بشكل متقطع، مع تسجيل انخفاض كبير لنسبة الصدور خلال 2014، طال الجرائد اليومية والأسبوعية التي ظلت لفترة طويلة تحافظ على انتظام دوريتها.
وحسب معطيات جمعتها الأناضول، فإن 35 جريدة لم تصدر إلا مرة واحدة أو اثنتين في 2014، كما توقفت 35 جريدة أخرى عن الصدور خلال السنة ذاتها، منها 5 جرائد باللغة الفرنسية.
وتحولت خلال العامين الماضيين العديد من الصحف الورقية إلى مواقع الكترونية، بينما تغيرت دوريات صدور بعض الصحف الأخرى.
وقال رئيس اتحاد الناشرين الموريتانيين ومدير صحيفة "لافي إبدو"، الفرانكفونية سي ممادو، للأناضول: "لن تصدر أيٌّ من الصحف الورقية المستقلة، غدا الأربعاء، ستخلو الأكشاك، من أي صحيفة ورقية".
وأضاف: "قررنا الاحتجاب عن الصدور، كخطوة للفت الانتباه إلى الواقع الصعب الذي تمر به الصحف الورقية في البلاد".
وقال رئيس رابطة الصحفيين الموريتانيين والمدير العام لصحيفة "السفير"، إحدى أقدم الصحف الورقية بالبلاد، محمد عبد الرحمن ولد أزوين، إن "الصحف الورقية باتت تعاني وضعا غير مسبوق يهددها بالإفلاس التام خلال فترة وجيزة".
وقال ولد ازوين في تصريحات للأناضول، إن "عوامل تضافرت خلال السنوات الأخيرة كانت وراء توقف عشرات الصحف عن الصدور، فيما توشك بقية الصحف الورقية على التوقف وإعلان إفلاسها تماما".
وذكر من بين تلك العوامل نضوب الموارد بشكل عام "إذ لم تعد هناك إعلانات في الصحف الورقية ولا اشتراكات، ليشكل قرار الحكومة وقف الدعم عن الصحافة القشة التي قسمت ظهر البعير".
واعتبر ولد ازوين، أن قرار وقف بنود الإعلانات والاشتراكات من ميزانية الدولة "شكل سابقة في تاريخ البلاد، وشططا غير مسبوق في استخدام السلطة".
أسباب موضوعية للإفلاس
وأصدر مدراء الصحف الورقية المستقلة، في وقت متأخر من مساء الأربعاء الماضي، بيانا رسم صورة سوداء لواقع الصحف الورقية في البلاد.
وتحدث البيان عن جملة الأسباب التي وصفها بالموضوعية لإفلاس الصحف الورقية، من بينها غلاء تكاليف فتح المؤسسات الصحفية الورقية وتكاليف تسييرها مقابل رخص المواقع الالكترونية، رغم الديمومة والثبات اللذان تتمتع بهما الصحافة الورقية".
وتحدث مدراء الصحف الورقية، عن تقادم وضعف خدمات ومستوى الطباعة في البلاد، وعدم القيام بأي جهود ملموسة لتحديثها والنهوض بها، حيث أن طباعة الصحافة الورقية ما تزال تتم في المطبعة الحكومية الوحيدة والعتيقة؛ والتي بنيت قبل 50 سنة، في ستينات القرن الماضي".
واستعرض البيان جملة من المشاكل الأخرى من بينها؛ غلاء أسعار الطباعة رغم تواضع مستواها، والدعم الكبير الذي تتلقاه من صندوق دعم الصحافة سنويا، وانعدام الاستثمار الحكومي والتشجيع اللازم من الدولة ومؤسساتها المالية للاستثمار في هذا المجال لتطويره".
وذكر مدير صحيفة "الأخبار"، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، في تصريح للأناضول، أن "من بين العوامل التي قد تؤدي لإفلاس الصحف الورقية، انعدام مؤسسة وطنية للتوزيع، حيث ظلت الصحافة الورقية المستقلة تطالب بها منذ 1991".
وأكد ولد الشيخ سيداتي، أن "توزيع الصحافة الورقية محصور في مربع صغير من العاصمة نواكشوط، بدل أن يتجاوزها إلى مختلف المدن الداخلية، بالإضافة إلى انعدام آلية شفافة لتوزيع الإعلانات والاشتراكات، وتراجعها بشكل حاد في السنوات العشر الأخيرة، قبل أن تتوقف تماما حاليا".
وعبر بيان مدراء الصحف، عن خطر تراجع اهتمام شركات الاتصال، التي مثلت خلال السنوات الأخيرة أهم داعم عن طريق الإعلانات للصحافة الورقية، لصالح الوسائط الالكترونية والوسائط السمعية البصرية.
وأضاف البيان: "نظرًا لهذه الوضعية الخطيرة قرر الناشرون القيام على وجه الاستعجال، باختيار، غد الأربعاء، يوما للاحتجاب عن الصدور، والقيام بحملة تحسيسية تستهدف النظام والمعارضة والفاعلين الوطنيين وشركاء التنمية والهيئات الوطنية والدولية لمؤازرتهم في هذه المحنة.
وأعلن مدراء الصحف الورقية عن تشكل لجنة متابعة يعهد إليها بصياغة الاحتياجات الأساسية العاجلة التي من شأنها أن تحول بينها وبين الاندثار، وتقديمها إلى الجهات المعنية.
محاولة حكومية لامتصاص الغضب
وفي محاولة على ما يبدو لامتصاص غضب الصحافيين، ناقش الوزير الأول الموريتاني يحيى ولد حدمين، الأربعاء، قانون الإشهار (الإعلان)، خلال اجتماع حكومي ضم وزراء العدل والصحة والتجارة والصناعة والسياحة، والتهذيب الوطني، والتشغيل والتكوين المهني وتقنيات الإعلام، والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، والوزيرة الأمينة العامة للحكومة، والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية.
وتقول الحكومة إن "مشروع القانون الجديد يهدف، إلى التمكين من الاستثمار الأمثل لدور الإشهار في تنمية البلد، وسيساهم أيضا في ترسيخ المهنية واحترام أخلاقيات المهنة، ويضع منظومة علاقات سلسة بين مختلف الفاعلين في هذا المجال، تقوم على قواعد قانونية واضحة وصلبة وشفافة".
لكن رئيس رابطة الصحفيين الموريتانيين ولد أزين، استبعد في حديث مع الأناضول، أن "يرى القانون الجديد النور قبل 2018، بحكم بطء الإجراءات المتخذة في تمرير القوانين".
غير أن الناشط السياسي والقيادي في الأغلبية الحاكمة مصطفى السالك، اعتبر أن الأزمة المالية التي تعيشها الصحافة في البلد حاليا "عابرة"، مضيفا أن "الإجراءات الحكومية الأخيرة الهدف منها في الأساس، إعادة ضبط وهيكلة الدعم الحكومي الموجه لقطاع الإعلام والصحافة، خصوصا المستقلة منها"، ملمحا إلى أن الاوضاع الاقتصادية هي السبب في توقف الدعم الحكومي للصحف.
غير أنه استبعد في الوقت نفسه في تصريح للأناضول، أن "تكون الحكومة بصدد وقف الدعم نهائيا عن الصحف المستقلة"، مضيفا أن "الاجتماع الوزاري الذي عقد بمقر الوزارة الأولى في نواكشوط، أكد أن مخاوف ملاك الصحف الورقية بشأن الدعم الحكومي غير واردة، وأن الإجراءات المتخذة تنظمية في الأساس".
نواكشوط/ محمد البكاي/ الأناضول