لا شك أن إعادة تقييم العلاقة بين المواطن والدولة يعتبر أمرًا ضروريًا، وسيصبح من جديد على المحك بعد عملية الترحيل التي تعهّد بها ترامب. إن إعادة تقييم هذه العلاقة تتطلب مراجعة لأحداث سابقة كان لها أثر عميق على ثقة المواطن بالدولة، مثل أزمة الجفاف في السبعينات، والتي لم تتعامل معها السلطات بالشكل المطلوب، مما ساهم في تعميق الفجوة بين الدولة والمواطن، وأدى إلى ظهور "ظاهرة الْگَزْرَة" كرمز للتهميش والاغتراب، ليس فقط على مستوى السكن، بل أيضًا على مستوى الشعور بانفصال المواطن عن دولته وافتقاده للثقة فيها.
كما تكررت هذه القضايا في بداية التسعينات عند عودة المُرحّلين من السنغال، حيث ظهر عجز في استيعابهم بالشكل المناسب، مما أسهم في تضخيم التوترات الاجتماعية وزاد من الشعور بالإقصاء لدى العائدين. ومع عودة الحديث عن ترحيل المهاجرين في الولايات المتحدة، والتي تضم جالية موريتانية شابة كبيرة تسعى إلى بناء حياة أفضل، تظهر مخاوف جديدة تتطلب استجابة استباقية من الدولة الموريتانية لتجنب تكرار أخطاء الماضي وتحقيق تكامل اجتماعي واقتصادي للمُرحّلين.
قد تكون خطة كامالا هاريس التي استهدفت مكافحة الهجرة من خلال تمويلات لدعم التنمية المحلية في بعض الدول نموذجًا يُحتذى به، حيث يمكن التفكير في طلب تمويل مشابه لدعم إدماج المُرحّلين في الوطن وتوفير بيئة مناسبة لهم. فبدلاً من التعامل مع هذه الأحداث كأزمات طارئة، يمكننا الاستفادة منها في تعزيز التنمية المحلية، وتهيئة فرص اقتصادية، وبرامج تدريبية تؤهلهم ليصبحوا جزءًا فعالاً في المجتمع بدلاً من التهميش. وهذا يستلزم تنسيقًا وثيقًا بين الحكومة والقطاع الخاص، وتطوير بنية تحتية تدعم هذه المبادرات، إضافة إلى دعم مشاريع شبابية توفر لهم فرص عمل وتفتح آفاقًا مستقبلية.
وفي النهاية، يبقى السؤال: هل ستكون موريتانيا مستعدة لمواجهة هذه التحديات والتعلم من أخطاء الماضي، أم ستظل تعتمد على الحلول المؤقتة والتجاهل كما حدث في السابق، كما لو كانت تقول "ذاك ما يعني لحموم"؟ تلك العبارة المأخوذة من قصة شعبية تلخص تجاهل العواقب. حين باع رجل "لَحْمُومْ" بسعر شرائه دون احتساب تكلفة النقل، سأله إخوته: "لماذا بعته بسعر الشراء؟" فأجابهم: "بَعْتُو ابَّاشْ شَارِيهْ." فقالوا: "و ماذا عن تكلفة النقل؟" فأجابهم: "ذَاكْ مَا يَعْنِي لَحْمُومْ، ذَاكْ كَانْ فَ لَبَنْتِي الْعَسْرِيَّه." إن هذا التحدي يستدعي رؤية بعيدة المدى وحلولًا استباقية تسعى لتجنب الأزمات، لا التعامل معها فقط عندما تقع. فالاستفادة من هذه التحديات قد تكون بوابة نحو مستقبل أفضل للمواطن الموريتاني ودولة تعمل على احتضان أبنائها بدلاً من دفعهم إلى الهجرة أو الشعور بالغربة في وطنهم.