
كسبت الساحة السياسية الموريتانية زخمًا كبيرًا منذ إعلان رئيس الجمهورية الدعوة للقوى السياسية الموريتانية لإجراء حوار سياسي لا يقصي أحدا ولا يستثني موضوعا ،وبالتالي يجب أن يكون عميقا وجامعا، بعيدا عن الاستنساخ الخطابي وأن يعمل على تعزيز الحقوق الأساسية من خلال القوانين المكرسة في الدستور والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية وذلك من أجل تقوية الجبهة الداخلية و تعزيز المكاسب المحققة لحفظ كرامة المواطن وتحسين مستواه المعيشي ، وتعزيز العدالة ، وإرساء مبدأ الفصل بين المال والسياسة ومكافحة الفساد ، والعمل على كسب رهان التنمية الاقتصادية وذلك من خلال نموذج تنموي جديد، قائم على تنويع الاقتصاد وتحرير المبادرة الفردية ، ونشيرهنا أن هناك شروطاً لكي يكون الحوار مجدياً وهي "تحديد أطرافه، وجدول أعماله، ومراعاة موقف الشعب منه، والالتزام بتطبيق مخرجاته، على أن يكون آلية مستمرة، فضلاً عن تناول جميع القضايا والتحديات من دون تأجيل ، والمقصود هنا بالحوار السياسي هو تداول الآراء والأفكار ووضع الحلول للمشكلات المختلفة التي تواجه بلادنا سواء من الناحية السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، وربما يكتسب الحوار أهميته أيضًا من مشاركة مجموعة من الخبراء والمتخصصين -إضافة إلى مشاركة القوى السياسية المختلفة- الحوار سياسي، هو أنجع الطرق وأسلمها للرقي بالمجتمعات، والوصول إلى كافة الأهداف المنشودة على الصعيد السياسي والاقتصادي ، والاجتماعي، والثقافي، ، وذلك من خلال تبادل الآراء والأفكار الإيجابية البناءة، فتعدد الآراء لا يفسد للود قضية بل إن الحوار السياسي دعم ودفع نحو اجتماع كافة الأحزاب والفئات الوطنية المختلفة على آراء بناءة تساهم في رسم الخطى نحو مستقبل مشرق مزدهر بالنجاح والتفاؤل، الحوار السياسي سيجعل هناك رؤية من القرارات الوطنية الصائبة السليمة، نحو رفعة الوطن وتقدمه، والحوار السياسي هو ما يخلق جواً من الشوري بين الأشخاص في المجتمع، ويجتمعون في نهاية حوارهم على أمور حياتهم ومستقبلهم ، فما تحاور وتشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمور دنياهم، وهنا سنوضح لكم أهمية الحوار السياسي باعتباره طريقا للتقدم والازدهار وعليه يجب أن يكون الحوار بناءً حتى يحقّق الهدف منه ويصل فيه الأطراف إلى نتيجة، ولكل حوارٍ بنّاء مقوّمات يجب أن تتوافر فيه، وتعرف هذه المقوّمات أيضاً بآداب الحوار، ومنها: حسن الإصغاء للآخرين، فمن الضروري حين يتحاور فريقان في أمرٍ أو قضيّةٍ معيّنة أن يتكلّم فريق وينصت الآخر، كي لا تعمّ الفوضى، كما يجب على الطرفين الانتباه والتركيز على الأفكار المطروحة، خاصة إن كان ما يتباحث فيه هذان الفريقان أمراً مدعوماً بشواهد وأدلّة علميّة، ومن شروط الحوار البنّاء عدم التمسك بالرأي لمجرد العناد وإثبات أنّ ما يحمله الطرف الآخر هو وجهة النظر الصائبة وحسب ، ونشير هنا أن الحوارات السياسية تمر عادة بعدة مراحل؛ بدءاً من التحضير، مروراً بالعملية الحوارية، إلى تنفيذ النتائج، وفي كل مرحلة يلزم تطوير الأدوات بالشكل الذي يلائم حالة الحوار وسياقه والتوافقات الحاصلة بين الأطراف والمتطلبات الفنية والإدارية. ومع أهمية جميع المراحل إلا أن المرحلة الاولى وهي مرحلة التحضير والتي نحن فيها الآن تُعد حجر الأساس لأي حوار ناجح؛ فمن خلالها يتم تمهيد الأرضية المناسبة لإطلاق العملية وتأسيس فهم واضح لأهداف الحوار وفهم مصالح وتوجهات القوى الفاعلة، تقود عادة المشاورات الواسعة بين الأطراف إلى اختيار اللجنة التحضيرية أو الهيئة التوجيهية ، وتختلف طريقة الاختيار من حالة إلى أخرى؛ فقد يتم تعيينها من قبل الحكومة ، أو بالتشارك مع الجهات الفاعلة التي تمثل المجتمع، بحيث تكون اللجنة ضامنة لتمثيل عادل وشامل، عموماً تتطلب هذه المرحلة بالذات قدراً طويلاً من الوقت، كما تضطلع اللجنة التحضيرية بمهام أخرى ترتبط بمعايير اختيار المشاركين في الحوار، واعتماد إجراءات اتخاذ القرارات، وهذه الإجراءات مهمة في قضية الحوار؛ لأن تفرُّد مجموعة أو جهة أو تحالف ما بهذه الإجراءات يؤدي إلى اختطاف العملية الحوارية وإخراجها عن مسارها المرسوم، ولذا يجب وضع قواعد واضحة تتعلق باتخاذ القرار قائمة على لجان ضمن عدة مستويات منعاً لاتخاذ قرارات تصبّ في صالح طرف دون آخر المرحلة الثانية القيام بخطوات إجرائية مرتبطة بالحوار: كوضع شخصيات تمثل مختلف الطيف السياسي سواءٌ من السلطة أو المعارضة ضمن اللجنة التحضيرية، الشفافية والإعلام: من القضايا التي تدعم بناء الثقة بين الأطراف السياسية، يجب أن يكون تصميم الحوار واضحاً ومتسلسلاً، أي أن تكون البداية بالمسائل الأقل إثارة للجدل، ثم التوجه نحو القضايا الإشكالية والجدلية؛ وذلك منعا لانهيار الحوار في مراحله الأولى وضع قواعد أساسية لمواجهة مشكلات قد تواجه العملية الحوارية: يكون من شأنها تقديم إجابات وحلول سريعة، مثل: ما الذي يجب فعله في حال نشبت خلافات بين القوى؟ وما القرارات الواجب اتخاذها في هذا الموقف؟ وقد قدمت العديد من الأدبيات وصفات جاهزة للتطبيق يمكن من خلالها تصميم هذه المرحلة، مثل: الاتفاق على القيم السلوكية، ووضع مذكرة تفاهم من شأنها منح جميع القوى أو معظمها فهماً لمحتوى ومضمون القضايا المثارة، وشكل الاجتماعات، والناطقون الرسميون.. إلخ.وفي الختام يمكن القول: إن التحضير الجيد والتخطيط المسبق هما الأساس لأي حوار ناجح؛ فكلما كانت الأرضية معدّة بشكل مناسب، وكانت المعايير والآليات واضحة وملائمة ارتفعت فرص نجاح الحوار وتحقيق نتائج ملموس.