حظيت رئاسة المصطفى بإجماع أعضاء اللجنة العسكرية غير أن عملية الإنقاذ لم تكن عصا سحرية كفيلة بمعالجة سريعة للمشاكل المطروحة بل أن الأوضاع ازدادت تأزما حيث لم تخرج البلاد من الحرب إلا عشية شعورها باقتراب الانهيار الكلي، كانت مسؤولية جسيمة وعبء ثقيلا ذلك الذي تصدى له العسكريون غداة العاشر من يوليو عام 1978.
كان من عمق الأزمة أن انصرم عقد لجنة الإنقاذ بعد تسلمها الأمر بفترة وجيزة فقد كانت منذ بداية تكوينها تفتقر إلى أسباب التلاحم والانسجام ومما زاد الطين بلة أن كان لهؤلاء الضباط تاريخهم المشترك. كانت رواسب الاحتكاك المهني واختلاف الطبائع والطموح المشروع والتنافس المحموم على الامتيازات والإخفاق في إيجاد توازنات مستقرة كلها عوامل كادت أن تعصف بتشكيلة اللجنة.
كانت الحركات السياسية أيضا تسعى لاختراق اللجنة متسترة وراء بعض أعضائها وتحاول جاهدة توجيه القرارات لما يخدم مصالح أفرادها وتمرير رؤاها لما ينبغي أن تسير عليه الأمور وبقي رغم ذلك بعض أعضائها أوفياء لروح العاشر يوليو رافضين نقل الخلافات العقائدية والولاءات الجهوية إلى داخل اللجنة العسكرية.
هكذا استفحل الخلاف بين أفراد اللجنة العسكرية في بداية سنة 1979م فأقدم العقيد المصطفى ولد محمد السالك على إبعاد الجناح القومي وعلى رأسه الرجل القوي "جدو ولد السالك" وبدأ في مراجعة الوثيقة الدستورية من أجل أن يأخذ لنفسه صلاحيات واسعة، وفي السنة نفسها أعلن المقدم "أحمد بن بوسيف" عن إجراء عملية تصحيحية في 6 من ابريل استهدفت إعادة هيكلة اللجنة العسكرية لتصبح "لجنة الخلاص الوطني".
بمقتضى هذا التغيير أبعد ولد بوسيف عناصر مهمة من حكومة ما بعد الانقلاب وأبقى على ولد السالك رئيسا للجنة العسكرية لكنه احتفظ لنفسه بصلاحيات كبيرة من دونه فتحول ولد السالك إلى رئيس رمزي.
لم يمهل القدر "بوسيف" رغم أنه كان يحمل طموحات كبيرة، فما كاد ينتعش ببريق الحكم حتى وافته المنية في حادث تحطم طائرة فوق المحيط الأطلسي في 28 مايو وخلفه في منصبه "محمد خون بن هيداله" وتمت تنحية "المصطفى بن محمد السالك" ليتولى رئاسة اللجنة العسكرية من بعده "محمد محمود بن أحمد لولي" في يونيو 1979م.
ظل ولد لولي في منصبه حتى 9 يناير 1980م حيث أطاح به المقدم "محمد خونه ولد هيداله" ليصبح هذا الأخير رئيسا للدولة والحكومة معا.
لقد تعرفت على "لولي" سنة 1964 حين كان ملازما في مدينة أكجوجت، كان بطابعه التقليدي مثالا للسكينة والاستقامة وحسن الطوية.
عندما أصبح رئيسا لم تغيره أبهة المنصب الجديد بل ظل دائما بسيط الحال مواظبا على صلاة الجماعة مثالا في التقى وصدق فيه قول القائل:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى بقي عريانا ولو كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا
لم تطرف السياسة باله رغم الفرص المتاحة.
كان يبدو كما لو كان يكرهها لكن دون أن يعبر عن ذلك.