تراجع سعر برنت في العقود الآجلة أمس بعدما اقترب لفترة وجيزة من أعلى مستوياته في 2016 حيث بددت وفرة المعروض في السوق الحاضرة أثر ثقة أسواق المال في موجة صعود الخام.
وبحسب "رويترز"، فقد واصل النفط خسائره وهبط برنت دولارا عند 51.49 دولار للبرميل قبل بيانات منصات الحفر الأمريكية بعدما لامس 52.84 دولار للبرميل في وقت سابق ليقل سنتين فقط عن أعلى مستوى له في 2016.
وارتفع الخام الأمريكي في العقود الآجلة إلى 50.74 دولار للبرميل مسجلا أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر ونصف الشهر قبل أن يسجل انخفاضا بواقع 30 سنتا ليصل إلى 50.14 دولار للبرميل، وجرت تسوية عقود الخام الأمريكي أمس الأول عند 50.44 دولار للبرميل في أول تسوية فوق مستوى 50 دولارا منذ 23 حزيران (يونيو).
وجاءت موجة الصعود رغم ارتفاع الدولار -الذي يزيد من تكلفة النفط على حائزي العملات الأخرى- وتزايد إمدادات المعروض النفطي في السوق الحاضرة من ليبيا ونيجيريا وروسيا.
وتلاقي أسعار النفط دعما منذ الإعلان عن اتفاق "أوبك" في الجزائر وبدعم من مباحثات جديدة لـ "أوبك"، وقالت وزارة الطاقة الروسية "إن وفدا روسيا سيعقد مشاورات ثنائية مع عدد من وزراء النفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" في إسطنبول الأسبوع المقبل، وهو ما يمثل خطوة مهمة أخرى على طريق تثبيت إنتاج النفط".
وذكرت الوزارة أيضا نقلا عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أنها تتوقع أيضا التوصل إلى اتفاق على تثبيت إنتاج النفط قبل اجتماع "أوبك" في 30 من تشرين الثاني (نوفمبر).
وارتفع النفط أكثر من ستة دولارات للبرميل منذ أن أعلنت "أوبك" خلال مباحثات غير رسمية في الجزائر في 28 أيلول (سبتمبر) أنها تأمل في خفض الإنتاج إلى ما يراوح بين 32.5 مليون و33 مليون برميل يوميا، وهو الأمر الذي سيخلص السوق العالمية المتخمة بالمعروض من نحو 700 ألف برميل يوميا، ويقدر محللون الفائض في المعروض بنحو مليون إلى 1.5 مليون برميل يوميا.
وإضافة إلى تعهد "أوبك" بخفض الإنتاج تلقت الأسعار دعما من انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية للأسبوع الخامس على التوالي وصل بإجمالي المسحوب من المخزونات منذ بداية أيلول (سبتمبر) إلى 26 مليون برميل بحسب ما أظهرته بيانات حكومية.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية "إن مخزونات الخام في الولايات المتحدة تراجعت الأسبوع الماضي حتى مع قيام مصافي التكرير بخفض الإنتاج في حين زادت مخزونات البنزين وتراجعت مخزونات نواتج التقطير".
وتراجعت مخزونات الخام ثلاثة ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 30 أيلول (سبتمبر) بينما توقع المحللون زيادتها 2.6 مليون برميل.
وتراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير 302 ألف برميل يوميا حسبما أظهرت البيانات، وهبط معدل تشغيل المصافي 1.8 نقطة مئوية، وزادت مخزونات البنزين 222 ألف برميل في حين توقع المحللون في استطلاع أجرته "رويترز" أن تزيد 702 ألف برميل.
وانخفضت مخزونات نواتج التقطير التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 2.4 مليون برميل مقابل توقعات بأن تنخفض 700 ألف برميل، وهبطت واردات الخام الأمريكية 58 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي.
وأفاد محللون أنه رغم ذلك فإن المخزونات قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق وحتى احتمال حدوث خفض متواضع في الإنتاج من قبل أكبر مصدري النفط في العالم ربما لا يكون كافيا لإطلاق موجة صعود أقوى للأسعار.
وأشار متعاملون إلى أن انخفاض الأسعار في التداولات المبكرة أمس يعكس ضعفا في السوق الحاضرة نظرا إلى أن تخمة إمدادات الوقود عالميا ما زالت قائمة.
وعزز اتجاه الأسعار نحو مزيد من الارتفاعات منذ اتفاق الجزائر، تصريحات نور الدين بوطرفة وزير النفط الجزائري الذي تحدث عن إمكانية إقرار "أوبك" في اجتماع فيينا الشهر المقبل مزيدا من الخفض للإنتاج بنسبة قد تزيد 1 في المائة عما تم الاتفاق عليه فى الجزائر "700 ألف برميل يوميا".
وعكست تصريحات الوزير الجزائري وحدة الصف داخل المنظمة وتجاوزها مرحلة الخلافات السابقة، مشددا على أن مزيدا من الآفاق الإيجابية ينتظر "أوبك" بعدما نجحت في التوافق على قضايا السوق وتمكنت من الرد على المشككين في دورها والزاعمين انتهاء تأثيرها في السوق.
يأتي ذلك فيما كشف ديل بينو أولوخيو وزير النفط الفنزويلي أن روسيا ستنضم إلى أعضاء "أوبك" في إسطنبول لإجراء محادثات بشأن تنفيذ اتفاق الجزائر، حيث ستتركز المناقشات حول كيفية مشاركة المنتجين من خارج المنظمة في قرار خفض الإنتاج، مؤكدا أن "أوبك" بدأت مرحلة جديدة من استعادة نفوذها في السوق والعودة إلى دورها المؤثر والقيادي في توجيه السوق وعلاج اختلالاتها.
وبعد تأسيس "أوبك" في عام 1960 أدت اتفاقات المنظمة على خفض إنتاج النفط إلى رفع الأسعار لأشهر وسنوات في كل مرة، لكن بعد ارتفاع أسعار النفط إلى قرب 150 دولارا للبرميل في 2008 ازدهرت أنشطة التكسير الهيدروليكي والحفر في الولايات المتحدة ما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاجها بمقدار أربعة ملايين برميل يوميا.
وحين هوت الأسعار في 2014 توقع المحللون هبوط إنتاج النفط الأمريكي، غير أن الإنتاج تماسك ولم ينخفض إلا بنحو مليون برميل يوميا مع خفض شركات الحفر للتكاليف.
ووضع النفط الصخري الذي يبحث عنه كثير من شركات الحفر سقفا فعليا لأسعار الخام، لكن "أوبك" التي تسهم بنحو 60 في المائة من صادرات النفط العالمية ما زالت تحتفظ بالقدرة على حماية الأسعار من الهبوط الحاد.
وشكل توصل الدول المصدرة للنفط في الجزائر إلى "اتفاق تاريخي"، مفاجأة أدت إلى ارتفاع الأسعار، لكن محللين دعوا رغم ذلك إلى ضرورة توخي الحذر نظرا لبعض الغموض السائد.
ويرى محللون أن انخفاض عائدات النفط هو الذي حفز "الكارتل" على اتخاذ هذا القرار، ورغم ذلك، لا يزال هناك عديد من النقاط الغامضة بالنسبة إلى المحللين، خصوصا حول آليات التطبيق، وقال المحلل في مجموعة "اكسيتريدر" في سنغافورة "يعاني عدد كبير من الدول الأعضاء في "أوبك" انخفاض الأسعار، وتشهد اقتصاداته انكماشا أو ركودا ويواجه مشكلات ميزانية، ولذلك يبدو أن الضرورة المتعلقة بالميزانية تغلبت على الخلافات السياسية، وأعتقد أن ارتفاع الأسعار وخفض الإنتاج سيستمران". ويفضل بعض المحللين التزام الحذر في انتظار قمة فيينا، كما سيتابع المستثمرون الدول المنتجة غير الأعضاء في "أوبك" مثل روسيا والولايات المتحدة وكندا.
إلى ذلك، تعتبر شركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هذه اللحظة "اتفاق خفض الإنتاج" اللحظة المنتظرة منذ ما يزيد على عامين، في تحرك أنعش الأسعار المنخفضة التي عصفت بميزانيات تلك الشركات.
ويضع الاتفاق أرضية لأسعار تقترب من 50 دولارا للبرميل وهو الحد الذي يمكن كثيرا من شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة من تحقيق أرباح وحفر آبار جديدة، وهذا المستوى يوازي نحو مثلي سعر النفط حين بلغ أقصى درجات الهبوط.
وقال جيمس ويست الشريك في إيفركور "آي.إس.آي" وهي شركة استثمار في نيوجيرسي "يمنح ذلك منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة مزيدا من الثقة. وربما يصبحون أكثر جرأة عما كانوا يخططون له".
ويصف محلل في قطاع النفط الصخري الأمريكي حرب الأسعار المستمرة منذ فترة طويلة بمباراة في الملاكمة من 12 جولة انتهت بالتعادل الفني، فبعدما تركت "أوبك" في منتصف 2014 أسعار النفط تهبط للحفاظ على حصتها في السوق مثلما كانت تعتقد، أفلس منتجون صغار كثيرون وشركات منتجة للنفط مرتفع التكلفة في الولايات المتحدة.
وأظهرت شركات مثل أناداركو بتروليوم، وإي.أو.جي ريسورسيز، وأباتشي كورب، وأكثر من 25 شركة أخرى قدرتها على التكيف مع أسعار للنفط عند 40 دولارا للبرميل وحفر آبار جديدة مربحة مع صعود النفط صوب 60 دولارا.
وتتطلع شركات أمريكية للنفط الصخري إلى التعافي واكتشاف أراض جديدة هذا العام بنحو 12 مليار دولار في حوض برميان الغني بالنفط في وست تكساس.
وجمعت 32 شركة على الأقل 20.40 مليار دولار من أسواق الأسهم في الأشهر الثمانية الأولى من العام واستخدمت نصفها الأموال في شراء أراض نفطية، وفي تموز (يوليو) ذكر سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي لـ "بايونير ناتشورال ريسورسز" أن شركات النفط الصخري التي أصلحت أوضاعها أصبحت الآن قادرة على المنافسة من حيث التكلفة.
ورفعت ثورة النفط الصخري إنتاج الخام في الولايات المتحدة من 4.9 مليون برميل يوميا في 2009 إلى ذروته عند 9.6 مليون برميل يوميا في حزيران (يونيو) 2015.
وأظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن هبوط الأسعار منذ ذلك الحين قلص الإنتاج بأكثر من مليون برميل يوميا إلى 8.5 مليون برميل يوميا في الشهر الماضى.
وأفادت آن لويس هيتيل نائب رئيس بحوث النفط لدى "وود ماكينزي"، أن استقرار الأسعار عامل أساسي، وسيؤدي إلى زيادة عدد منصات الحفر وزيادة الإنتاج.
المصدر - الإقتصادية