قال المبعوث الأممي السابق الدبلوماسي أحمد ولد عبد الله إنه لا يمكنه فهم "أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل التضليل والوقوع في مثل هذا النمط من التمارين"، مشددا على أنه "يجب أن يتم تجنب السخرية والنقاشات الخاطئة، لزمن آخر: تغيير الرموز الوطنية، أسماء الأسر، اسم الدولة، تحويل رؤوس الأموال".
وأكد ولد عبد الله في مقابلة مع صحيفة "بلادي" الصادرة باللغة الفرنسية أن "رموز الدولة يشكلون جزءا من هويتها وينبغي أن تحظى بالحماية"، مردفا أن "تغييرها لا يعتبر أولوية، وبلا معنى. بل بالعكس من ذلك، فإن التغيير غالبا ما يؤدي إلى مصائب، وانتقام من التاريخ. وقد رأينا ذلك مع مارشال موبوتو، والقذافي أن الأعلام لم تنج في عهودهم".
ووصف ولد عبد الله النقاش الدائر بشأن المأمورية الثالثة بأنه "نقاش خاطئ، ليس لأنه لا ينبغي أن يطرح للنقاش، بل العكس"، مشيرا إلى أنه "لا يخفي سؤالا آخر حقيقيا، وهو مطروح منذ زمن طويل. وهو كيف ـ مع أو بدون مأمورية ثالثة ـ نضع حدا للانجراف السياسي القائم منذ عقود، والذي ألقى بظلال سلبية على الإدارة، والاقتصاد الوطني، واليوم ينتج وضعا مماثلا على المستويين الداخلي والخارجي، ويقسم المواطنين، ويضعف الدولة".
الطريق الصحيح
وأشار ولد عبد الله إلى أن "كيفية وضع البلاد على الطريق الصحيح هو الشرط الأول لإدارة المشكلة المزعجة المتعلقة بالوحدة الوطنية."، إضافة لـ"سؤال آخر يتعلق بتحقيق عمل مشترك أفضل خاصة مع المغرب والساحل".
وتساءل ولد عبد الله قائلا "في الواقع إذا كان الرئيس الحالي، كما أقسم رسميا، وأكد ذلك مؤخرا بشأن عدم الترشح، فهل سيكون في ذلك تسوية للمشاكل البنيوية الوطنية؟"، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها "قدمت مشاريعها بشأن المخاطر التي تحدق بالبلد".
واعتبر ولد عبد الله أن الخطر الأول يتعلق "بإيجاد الرئيس آلية وإجراءات شرعية تضمن له البقاء في السلطة، من خلال العودة إليها بعد خمس سنوات. وهنا لن يكون كافيا اختيار نائب للرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية".
ورأى ولد عبد الله أن "الوضع الراهن قائم منذ عشرات السنين، وسوف يستمر"، مردفا أن موضوع المأمورية الثالثة "أنسى في الكثير من الأشياء، مثل: صيد الأسماك، القروض التي تمنحها اسنيم لمطار نواكشوط، المشاريع الجارية".
أما الخطر الثاني – يقول ولد عبد الله – "فيتعلق بهشاشة وضعف الطبقة السياسية، التي انفجرت بفعل ضعف مستوى التضامن بين أعضائها"، مشيرا إلى أن "التناقضات الداخلية بين مختلف مكونات الأغلبية، وكذا المعارضة، سوف يؤدي إلى تفاقم أكثر للوضع على حساب القضايا الجوهرية".
واعتبر ولد عبد الله أن "على الفاعلين السياسيين أخذ قسط من الراحة لتقويم أوضاع البلاد، والعمل على تنظيم حوار وطني حقيقي بهدف مساعدة القادة الحاليين والمستقبليين على خلق توافق بشأن القضايا الإستراتيجية: الدبلوماسية، الأمنية، الاقتصادية، إنشاء مجلس خاص بالأمن القومي، أو ما يعادله، ومنع خصخصة المصالح الأساسية للدولة".
وأشار ولد عبد الله إلى أن "التركيز على الرئاسيات المقبلة، والمرتقبة عام 2019 سيؤخر البحث عن إيجاد حلول دائمة للمشاكل الوطنية: التعايش الصعب الآن بين مختلف مكونات المجتمع".
انعدام المسؤولية
وأكد المسؤول الأممي السابق أحمد ولد عبد الله أنه في ظل "الحاجيات الوطنية الضخمة"، يجب أن تكون الأولوية "لتخصيص النفقات لبناء المؤسسات، ومحاربة البطالة خصوصا في صفوف الشباب، والتعليم الفني، والصحة العمومية، وعصرنة العاصمة التي يوجد فيها 30% من الساكنة، ومحاربة الفساد، ودعم القدرة التنافسية لرجال أعمالنا في غرب القارة، وميناء نواكشوط، والطرق المؤدية إلى هذه البلدان من أجل ولوج أسواقها"، مردفا أن "حكومة تتجاهل هذه الأولويات، لديها مشاكل ماثلة، أو عدم مسؤولية، أو غياب كفاءة".
وأشار ولد عبد الله إلى أن "الموريتانيين وكغيرهم من متابعي الحدث الإقليمي بمنطقة المغرب والساحل، مذهولون ويتساءلون عن ما إذا كنا نعيش على كوكب آخر". متسائلا بقوله: "في مواجهة الصعوبات التي تواجه المواطنين، وكذا التحديات الأمنية المتراكمة لدينا في المنطقة. هل يكون تغيير العلم والنشيد أولوية أو أهمية؟".
وشدد ولد عبد الله على أن على "النخبة الوطنية المسؤولة أن تتفق بشأن تحديد المشاكل ذات الأولوية في البلد، إذ لا يمكنها المواصلة في تعزيز ما يتجاهل المشاكل الأساسية، ويقسم المواطنين".
الابتعاد عن التراث
واستطرد ولد عبد الله قصة عن إعلان أحد المسؤوليين الساميين في موريتانيا قبل سنتين وبكل فخر "لأحد الرسميين بإحدى دول الخليج أن "ولد" ستختفي من أوراقنا الثبوتية، فأجابه محاوره أن دولته لا يمكنها حذف "آل" من الأسماء باعتبارها جزءا من التراث، متسائلا: ما الذي سيبقى لكم إذا؟".
وأردف: "الناس في مختلف أنحاء العالم يصارعون من أجل إنقاذ هوياتهم، والحفاظ على صورهم، وهذا الحرص على محو كل ما يميزنا: علم، نشيد، وولد، أقل ما يقال عنه إنه مذهل".
وأضاف ولد عبد الله: "نحن مثلنا مثل العديد من الشعوب الأخرى التي لها خصائص مرتبطة بأسمائها مثل: "آل" لدى الخليجيين، "أوغلو" لدى الأتراك، "فان" لدى الهولونديين... الخ"، مشيرا إلى أنه "في العام 2010 ـ 2011 الموريتانيون الذين اعتقلوا في الولايات المتحدة، وبلجيكا، أطلق سراحهم بفضل هويتهم "ولد" وعدم ارتباطهم بالإرهاب والجريمة".
وأشار ولد عبد الله إلى أن "ميزة "ولد" تشكل عاملا مشتركا لكل البيضان من جنوب المغرب إلى الحدود الشمالية للنيجر، مرورا بأزواد، وبعض المدن الجزائرية، بما في ذلك تيندوف. هل لدينا في موريتانيا أولويات أخرى تجعلنا ننفذ مسعى الابتعاد عن هذا الإرث الحسانوي".
وذكر ولد عبد الله بما يقال من أن "نقص الحاصل على مستوى المنظور التاريخي إنه يجب علينا التكيف مع هذه المسلكيات الضارة لصورتنا في المنطقة وخارجها، غير أن هذا الهوس في تغيير كل شيء، بما في ذلك العاصمة إضافة إلى كونه ليس مسؤولا، فإنه صبياني وممارسة خطرة نحو سلب الهوية".
نقلا عن موقع "الاخبار إينفو"