بعد مقابلتي السابقة لـ"محمد خون بن هيداله" وما كان من استقبالي رسله وما جرى بيننا من مباحثات في شأن القضايا الآنفة وما تعرضت له إثر ذلك من مضايقات –ربما كان سببها الوحيد أو أهم أسبابها تلك الملابسات المتعلقة بهذه القضية وتلك الصلات التي كانت تربطني بالجانب المغربي- طلبت مقابلة الرئيس ثانية من أجل المصارحة والمكاشفة لكن اللقاء تعذر إلى أن تدخل المغفور له "سيد محمد بن عباس" و"حمود بن الناج".
حين دخلت عليه مكتبه بعد تلك الوساطات لم يلقني بحفاوة بل أعرض بجانبه عني ورد التحتية بدون اكتراث لكن ذلك لم يحل دون ما جئت من أجله.
سألته في البداية عن أسباب كل هذا الجفاء وأعربت له عن رغبتي في الاطلاع على خلفياته وعن مبررات هذه التهم التي تشكك في ولائي فرد علي دون تريث: "أنت معاد للحكم وقد نبهناك من قبل عن طريق بعض المسؤولين كما نبهتك أنا شخصيا في لقائنا السابق لكنك ترفض إلا أن تكون معاديا بل إنك أصررت وتماديت بما يقيمه من علاقات مشبوهة مع المغرب والمعارضين التقليديين ونحن من جانبنا يمكن أن نتساهل في أي شيء إلا أن يتعلق الأمر بخيانة الوطن، كان يتحدث وعلامات الغضب بادية عليه.
شكرته على ما صرح به وقلت مدافعا عن موقفي إن المغرب لم تكن صلتي به يوما تتجاوز الجانب التجاري وأنها تندرج في سياق علاقة مؤسسة تجارية بزبنائها وتعود عملياتنا التجارية مع السفارة المغربية إلى سنة 1969م وكل ما قمنا به معهم في شأن إيجار المخازن وتوفير مستلزمات الحفل يدخل في هذا السياق ويأتي ضمن اتفاقية تجارية محضة ووضعت بين يديه كل الوثائق التي تؤكد ذلك بما فيها تلك الرسالة التي كنت قد بعثت بها إلى إدارة الأمن الوطني.
لاحظت أثناء عرض هذه الحقائق أن مشاعره الغاضبة بدأت تهدأ وأخذ يركز على ما يسمعه مني، ولم يجد ما يرد به علي سوى أنه يتلقى الكثير من المعلومات التي تجمع كلها على إدانتي وقد يكون معظمها ملفقا إلا أنها لا يمكن أن تكون كلها والتزم بأنه سينظر فيما عرض عليه من توضيحات.
خرجت من عنده وليس أمامي ما يمكن عمله سوى الانتظار والصبر: فليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لابد من معاشرته حتى يجعل الله من ذلك مخرجا)، وكنت بعيد المقابلة على موعد آخر مع السيد "معاوية ولد سيد أحمد الطايع" وهو آنذاك رئيس الوزراء لمقابلة في شأن مهمة تتعلق بوزير المعادن آنذاك "محمد المختار بن الزامل".
وعلى هامش حديثنا سألني عما كان من أمر المقابلة مع رئيس الدولة فحدثته عن تفاصيل ما جرى بيني وبينه. عبر لي عن انشغاله بهذه القضية وتعاطفه معي ثم قدم إلي بعض الإرشادات التي من شأنها أن تنير طريقي مما يؤكد مدى ثقته الشخصية في سلامة موقفي مضيفا أنه كان قد حضر اجتماعين مخصصين للتشاور حول لوائح بأسماء بعض المتهمين لإيداعهم السجن وكنت من ضمنهم لكنه تكفل بضماني وتجشم عناء الدفاع عني على أساس ثقته بي ولولا ذلك لكنت من بين المسجونين الذين راحوا ضحية الشائعات وألقوا في زنزانات بين الصراصير وحشرات الظلام.