تأسست المحكمة الجنائية الدولية في 2002 لمحاكمة المتهمين بجرائم الحرب والاعتداء والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وهي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة حتى وإن كان يوجد اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.
كان هناك الكثير من الخلافات التي تحيط المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وعلاقتها مع العديد من الزعماء الأفارقة، الذين كانت بلدانهم ضمن أعضاء المحكمة في لاهاي وهم الآن يتخذون خطوات لسحب عضوية بلادهم.
في الخميس الماضي, كشفت رسالة من حكومة جنوب أفريقيا إلى الأمم المتحدة عن قرار البلاد للانسحاب نهائيا من المحكمة الجنائية الدولية. ويأتي هذا القرار بعد عام من توجيه “الجنائية الدولية” انتقادها إلى جنوب أفريقيا لفشلها في اعتقال وتسليم المطلوبين من قبل المحكمة, والذي يتمثّل في رفض الحكومة الجنوب أفريقية اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير وتسليمه للمحكمة أثناء وجوده فيها للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي.
“جنوب أفريقيا وجدت أن التزاماتها المتعلقة بإيجاد حلول سلمية للصراعات لا تتفق مع تفسير المحكمة الجنائية الدولية للالتزامات المدرجة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “.
وفي بداية الأسبوع الماضي أيضا، وقّع الرئيس البوروندي “بيير نكورونزيزا” على مشروع قانون من قبل مجلس النواب في برلمان البلاد يسعى لخروج بوروندي من المحكمة الجنائية الدولية. وفي حال سير الأمور كما هي الآن, فإن جنوب أفريقيا وبوروندي – خلال العام القادم – لن تكونا ضمن أعضاء المحكمة الجنائية الدولية. ووفقا لأحكام المادة (127) من نظام روما الأساسي للمحكمة، “يجوز للدولة الطرف، بموجب إشعار خطي موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن تنسحب من هذا النظام الأساسي. ويصبح هذا الانسحاب نافذا بعد سنة واحدة من تاريخ استلام الإخطار، ما لم يحدد الإخطار تاريخا لاحقا.”
إن التحاور مع الأفارقة ورصد آرائهم, يؤكد أن غالبيتهم يؤيدون الانسحاب, وينتظرون فقط دولا أفريقية كبيرة جريئة لأخذ زمام المبادرة في الانسحاب عن المحكمة الجنائية الدولية.
في العام الماضي، كان موضوع المحكمة والانسحاب منها محل النقاش الرئيسي في قمة الاتحاد الأفريقي. وقد جاء باقتراح خروج الاتحاد من المحكمة الجنائية الدولية, الرئيس الكيني أوهورو كينياتا, والذي لاقي دعما من قبل معظم البلدان الأعضاء في الاتحاد. في نهاية تلك القمة، انتقد رئيس الدورة الجارية للاتحاد الأفريقي ورئيس تشاد إدريس ديبي, عمليات المحكمة الجنائية الدولية. وقال: “في مكان آخر في العالم، تحدث أشياء كثيرة، العديد من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، ولكن لا أحد يهتم.”
ودعا الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني, الدول الأفريقية لترك “الجنائية الدولية”. وأثناء حديثه في نيروبي خلال احتفالات يوم الاستقلال الـ51 لدولة كينيا في ملعب نيايو, أكد أنه سيأتي بهذا الاقتراح أمام الاتحاد الأفريقي وإلى جميع الدول الأفريقية كي تنسحبن من المحكمة, وبذلك ستتمكن هذه الدول الأفريقية من الاكتفاء بمحاكمها الخاصة. مشيرا إلى أن “الجنائية الدولية” أداة للغرب الذي يستهدف ولا يحترم القادة الأفارقة بشكل غير عادل.
ومن ثَمّ ليس من المفاجئ أن نشهد خروجا جماعيا للدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية في الأشهر المقبلة. بل قد تكون دول مثل تشاد وكينيا من المجموعة التالية التي ستسلك مسلك الخروج, إذ أعربت كل منهما مخاوف جدية حول المحكمة في الآونة الأخيرة.
بدون الدول الأفريقية ضمن الأعضاء، كيف ستبدو المحكمة؟
حاليا، كانت أفريقيا هي القارة الوحيدة التي توجد أكثر دولها في المحكمة الجنائية الدولية. من أصل 124 دولة عضو في نظام روما الأساسي للمحكمة، كانت 34 منها من الدول الأفريقية. للقارات الأخرى عدد قليل من دولها في المحكمة, لأن معظم تلك الدول فشلت في التصديق والتوقيع على نظام المحكمة والانضمام إليها. وهناك دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وإسرائيل والمملكة العربية السعودية واندونيسيا ودول أخرى رفضت إما التوقيع أو التصديق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن معظم حالات العمليات القضائية التي أجرتها أو تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية من أفريقيا. من (10) حالات قيد التحقيق لدى المحكمة حاليا، كلها من أفريقيا – إلا واحدة منها.
وكما يصرح المحامي “نسو ديكسون” بلهجة عالية, إن السياسة الدولية معقدة وملثمة, موضّحا أن بعض الدول الغربية هي التي تمول الحروب والإبادة الجماعية في أفريقيا وهي التي تقوم ضدّ القادة الأفارقة وإيذاءهم عندما يسعون إلى الحقيقة. ولأنه لا يمكن استخلاص خط مستقيم بين حقوق وواجبات المحكمة الجنائية الدولية، فلا بد للدول الأفريقية أن تتوصل إلى طريقةٍ ما للمضي قدما.
لذلك كان خروج الدول الأفريقية من الجنائية الدولية قد يقلل من شأن المحكمة وأهميتها. إضافة إلى أن غياب البلدان الأفريقية يعني أن محكمة لاهاي لم يعد لها اختصاص عالمي وأنها قد تحتاج إلى ضبط تركيزها إلى قارة أخرى، ربما أمريكا اللاتينية أو منطقة البحر الكاريبي.
ومحاولات المحكمة الجنائية الدولية للتحرك نحو الدول في المناطق الأخرى قد تُقابله – في غضون فترة قصيرة – مقاومة وانتقادات مثل التي وُجّهت إليها من قبل الدول الأفريقية. مما قد تؤدي – بمرور الوقت – إلى اختفائها ونهايتها نهاية طبيعية لأن المحكمة لن تكون قادرة على ممارسة سلطاتها في جل دول القارات الأخرى, إلا إذا أعدت النظر في المخاوف والانتقادات الموجهة إليها.
وقد رفضت الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب مخاوفها من قوى المحكمة المفرطة ومن ألا تتعارض مع السلطة القضائية في تلك الدول. وربما ساهم أيضا رفض تلك الدول الكبرى للانضام إلى المحكمة في عدم انضمام حلفائها. إذ توجد دولة عربية واحدة فقط صدقت حتى الآن على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية – وهي الأردن.
وعليه، فقد تكون نهاية المحكمة الجنائية الدولية قاب قوسين أو أدنى. وعلى ما يبدو، فقد فشلت في ممارسة ولايتها القضائية خارج أفريقيا, والخروج الجماعي للدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية وشيك, والذي من شأنه أن يجعل المحكمة أقل أهمية حتى في المشهد العالمي.
المصدر: أفريكا عربي