يبدي منتقدو الرئيس النيجيري محمد بخاري شكوكهم بشأن نواياه من وراء حملة مكافحة الفساد التي بدأها في أعقاب توليه منصبه في مايو/ أيار 2015، متهمين إياه بـ”استغلالها لاستهداف خصومه السياسيين”.
طالت الحملة التي وصفت بـ”الشعواء” مؤسسة القضاء وسط تباين في الموقف النقابي للمحامين النيجيريين بين من يرى صوابية موقف الحكومة تجاه قضاة “فاسدين بالفعل” وآخرين يتحدثون عن “انتهاكات لسيادة القانون.
وعلى مدى الأشهر الـ 17 الماضية، وجهت اتهامات بالفساد إلى مستشار سابق للأمن القومي، ووزير دفاع سابق، وأمر بخاري بالتحقيق مع قادة عسكريين سابقين، وسياسيين من حزب الشعب الديمقراطي (حزب الرئيس السابق جودلاك جوناثان)، بشأن جرائم اقتصادية وقضايا فساد، لاسيما عملية غش مزعومة في صفقة أسلحة.
وفي وقت سابق، كشف وزير الإعلام “لاي محمد” أن “حوالي 6.8 مليارات دولار من أموال الدولة سرقت في الفترة من 2006 إلى 2013”. وقدم الوزير إحصائية توضح أن “742.42 مليون دولار اختلسها حكام ولايات سابقون، و2.65 مليار دولار سرقها مصرفيون، فيما استولى 4 وزراء سابقين على 35.35 مليون دولار”.
وأعلنت الحكومة أنها استعادت 255 مليون دولار أمريكي من الأموال المسروقة، فيما جمّدت مبالغ تقدر بـ 9 مليارات دولار أمريكي، في الحسابات البنكية، بانتظار القضايا المعروضة على المحاكم.
وفي 18 سبتمبر 2015، وجهت المحكمة التأديبية في نيجيريا 13 تهمة فساد إلى رئيس مجلس الشيوخ “بوكولا ساراكي”، الذي يعد الشخصية الثالثة في الترتيب السياسي للبلاد بعد الرئيس ونائبه.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن رئيس مجلس الشيوخ متهم خاصة بتقديم تصريح كاذب بالممتلكات، وعدم الكشف عن بعضها، واكتساب ممتلكات تفوق حدود إمكانياته بين 1999 و2007 عندما كان حاكمًا لولاية “كوارا” الواقعة بوسط البلاد.
اعتقال القضاة
وفي مطلع شهر أكتوبر أول الجاري، كثفت حكومة “بخاري” حملتها ضد كبار القضاة، في ظل مساعيها لمكافحة الفساد، حيث قام جهاز أمن الدولة بتنفيذ عدة مداهمات لمقرات ومنازل قضاة يعملون بمحاكم عليا ومحاكم استئناف.
وفي 9 أكتوبر الجاري، أفاد جهاز أمن الدولة، في بيان رسمي، إنه ضبط 800 ألف دولار أمريكي نقدًا، خلال حملات مداهمة لمقرات القضاة، خلال الأيام القليلة الماضية.
وجاء البيان على خلفية اتهام نقابة المحامين النيجيرية لجهاز أمن الدولة بتنفيذ “عملية بأسلوب الشرطة السرية النازية”، مطالبةً بإطلاق سراح القضاة الذين اعتقلوا في التحقيق.
ووصفت النقابة الاعتقالات الأخيرة بأنها “انتهاكات واضحة” للسلطة القضائية، داعيةً الرئيس لاحترام سيادة القانون.
وردًا على ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة “غربا شيخو” في بيان “العملية الأخيرة ضد بعض المسؤولين بالقضاء تستهدف على وجه الخصوص الفساد، وليس القضاء كمؤسسة”.
وفي السياق ذاته، قال جيتي أوغيوناي، محامي حقوقي، في تصريح للأناضول، “مديرية أمن الدولة، أو شرطة الاستخبارات السرية، لم تنتهك أي قانون في اقتحام منازل واعتقال القضاة في الليل أو في أي وقتٍ كان، حيث أن قانون البلاد يسمح بذلك”.
جهاز أمن الدولة النيجيري
من جانبه، قال المتحدث باسم حزب الشعب الديمقراطي دايو أديي، أن حرب مكافحة الفساد في البلاد منحازة، كونها تستهدف المعارضة، بحسب ما كشفت عملية الاعتقالات الأخيرة بحق الكثير من القضاة الشرفاء”.
وقال أحد كبار محامي البلاد، طلب عدم الكشف عن اسمه نظرًا لحساسية القضية أن النقابة غيرت قليلًا من موقفها الناقد للاعتقالات الأخيرة، بعد أن رفض بعض أعضائها الإدانة “العشوائية” لجهاز أمن الدولة، دون الاستناد على أدلة ملموسة.
وأوضح أن “النقابة عقدت مؤخرًا اجتماعًا لجمع توقيعات على وثيقة تهدف لمقاطعة الحكومة، اعتراضًا على استخدامها لحملة مكافحة الفساد كذريعة ضد خصومها السياسيين”.
وتابع قائلًا: إن “بعض كبار المحامين رفضوا اتخاذ هذه الخطوة، باعتبارها قد تعطي مؤشرات خاطئة للرأي العام، لاسيما أن بعض القضاة كانوا معروفين حقًا بتورطهم بقضايا فساد”.
ودفاعًا عن الجهود الحكومية الرامية لمكافحة الفساد، عبّر المحلل السياسي أولاكيونل أبيمبولا عن وجهة نظر شعبية عندما قال إن “هذه الجهود تتمتع بدعم شعبي واسع، فيما تعارضها النخبة السياسية والقضائية، التي تدافع عن مصالحها الطبقية (…) بشكل مقزز” على حد تعّبيره.
وأضاف أبيمبولا أن “القضاء الفاسد مشكلة خطيرة تتطلب حلولًا ثورية”.
وبهذا الخصوص، قال حسن إدايات، مدير مركز الديمقراطية والتنمية، منظمة غير حكومية معّنية بتعزيز قيم الديمقراطية والسلام في إفريقيا، إننا “ندعم جهود بخاري الرامية لمكافحة الفساد، وسط تحذيرات أن الحرب ضد الفساد يجب أن تتم في إطار سيادة القانون”.
وأضاف إدايات “نحن الآن في دولة ديمقراطية، وحصلنا على هذه الديمقراطية بشق الأنفس، وبناءً عليه فإن أي تصور بأن سيادة القانون لم تحترم، سيواجه نقدًا لاذعًا ومعارضة واسعة في البلاد”.
الاقتصاد النيجيري
منذ تولي الرئيس محمد بخاري منصبه, لم يحقق أي تقدم يذكر باتجاه تحقيق أهدافه الاقتصادية، ويعود ذلك جزئيًا إلى التدهور الذي يشهده سوق النفط العالمي، باعتبار نيجيريا من أهم الدول المصدرة للنفط على المستوى العالم.
وبين الحين والآخر تتعرض خطوط أنابيب الغاز والنفط في البلاد لعمليات نهب وتخريب تسفر إلى جانب الخسائر المادية عن مقتل مئات الأشخاص.
في أغسطس أضاعت نيجيريا موقعها كأول اقتصاد إفريقي أمام جنوب إفريقيا، بعد حسابات جديدة لناتجها المحلي الإجمالي (PIB). ولكنها عادت من جديد كأكبر اقتصاد إفريقي، حسب تقرير صندوق النقد حول التوقعات الاقتصادية العالمية لشهر أكتوبر الجاري، الذي نشر في الأسبوع الماضي.
وحققت الحكومة النيجرية مؤخرا تقدمًا واضحًا ضد “بوكو حرام”، التي تعتبرها المتهم الرئيس في تهديد الأمن القومي بهجماتها، وبدأت الجماعة في ظل الحملات العسكرية المستمرة ضدها, تواجه انقسامات في صفوفها، وشهد نشاطها تراجعا كبيرا.
وهناك محللون سياسيون واقتصاديون في البلاد, يرون أن “سياسات الرئيس بخاري المتقلبة كان لها الأثر الأكبر في عرقلة النمو الاقتصادي للبلاد”.
المصدر الأناضول, أفريكا عربي