اندلعت شرارة التصحيح كبارقة أمل في نفق اليأس وقطرة ندى تبلل القلوب الظامئة. اندلعت كرعشة حياة تدب في جسد هامد وتبعث التفاؤل في النفوس.
انطلقت لاجتثاث مظاهر القهر والاستبداد فبادرت إلى عتق المأسورين في غيابات السجون وكانوا حينها عدة مئات.
كان هذا الإجراء وحده كفيلا بتحويل المشاعر المفعمة بالغضب والقلق إلى مشاعر تنضج بالمحبة والأمل وعلت الابتسامة الوجوه الشاحبة التي بدأت تنتعش بأجواء الحرية الجديدة.
كان أول إعلان لعملية التصحيح بمثابة دعوة تلقائية للجماهير إلى مهرجان عفوي غصت بجمهوره الشوارع على عموم التراب الوطني.
وتبدأ سفرة الألف ميل بخطوة واحدة: كانت هذه الخطوة هي قرار العفو الشامل الذي تلاه إلغاء التأشيرات سبيلا إلى تذليل العقبات التي تحد من الحريات الفردية والجماعية وأشفعت هذه الخطوة بقرارات أخرى كإعادة الأموال إلى المنفيين.
وتوالت خطوات التصحيح تترى حسب ما تقتضيه معالجة الوضع وفق برنامج مستعجل بهدف التصحيح السريع لبعض الأخطاء الفادحة وتقويم الانحرافات التي حددها بشكل واضح مخطط ومنفذ عملية التصحيح غداة 12 دجمبر 1984م في أول خطاب موجه إلى الأمة بهذه المناسبة، حيث قال الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع:
"ظهر في الآونة الأخيرة تفشي الممارسات المؤدية إلى نهب الأموال العامة والتبذير والارتشاء وتدعيم الحكم الفردي الاعتباطي، وقد حيدت مجهودات التضامن الوطني التي بذلتموها بسخاء عن أهدافها الحقيقية، كما استخدمت وسائل الدولة بغير ضبط ولا إحكام".
كيف لتلك الأوضاع إلا أن تكون متردية وهي حصيلة الانحرافات التي انزلق في متاهاتها نظام مستبد أفضى به التعسف وسوء التسيير إلى التقوقع في دوامة من العنف أدت بالدولة في النهاية إلى زوال هيبتها وتشويه سمعتها.