مع بداية الحرب السورية، تداول العديدون نظرية "النفط والغاز" كأحد مُسببات الحرب. بقيت هذه النظرية ضمن خانة "المؤامرة" القابلة للتشكيك، خاصة و أن الخطاب الرسمي العربي اعتاد التذرّع بمؤثرات الخارج لتبرير مشاكله، ليفقد معه مساحة واسعة من المصداقية حتى حين يكون صادقاً !
لنعد البحث قليلاً في أمن المنطقة الاقتصادي انطلاقاً من القمة التركية القطرية الأخيرة في أنقرة.
5 زيارات لأمير قطر إلى تركيا في أقل من عام.
ينطلق التحالف الاستراتيجي بين البلدين من جملة مصالح مشتركة تتجلّى سياسياً في تنسيق الأدوار في سوريا والعراق ودعمهما لوصول جماعة الاخوان المسلمين إلى السلطة في عدد من الدول العربية.
في العام الفين، اقترحت قطر مد خط أنابيب غاز بطول 1500 كيلومتر عبر الأراضي السعودية والأردن فسوريا وتركيا وصولاً إلى بلغاريا في أوروبا، علماً أن الحل البديل بالنسبة للدوحة هو تسييل الغاز ونقله بحراً الى أوروبا، ما يعني كلفة عالية وبطءاً في التوصيل ومحدودية في حجم التصدير.
تحمّست أنقرة للمشروع الذي من شأنه تزويدها بالعملة الصعبة، كما أنه يساهم في تعزيز موقع تركيا وقطر البلدين الحليفين للولايات المتحدة الأميركية اقليمياً ودولياً.
بالنسبة للسعودية شكّل المشروع فرصة لتعزيز حضورها الاقتصادي وتأثيرها في سوريا في مقابل خصمها الإيراني.
أوروبا بدورها وجدت في الاقتراح سبيلاً للتخلّص من ارتهانها لروسيا التي تمدّها بثلاثين في المئة من احتياجاتها.
تقاطعت المصالح الدولية إذاً على الشروع بمد خط الأنابيب.
في الجهة المقابلة، رأت روسيا في المشروع تهديداً اقتصادياً لها وهي التي تبيع 70 في المئة من غازها إلى أوروبا. من وجهة نظر جيواستراتيجية، يحرم المشروع موسكو من تأثيرها في الشرق الأوسط ويضعف اقتصادها كما يضع حداً لأحد أهم ركائز قوتها في مواجهة حلف شمال الأطلسي.
باتت خارطة المصالح المُتضاربة واضحة لجميع الأفرقاء، واتّجهت الأنظار إلى المعني الأول باتخاذ القرار؛ الرئيس السوري.
في العام 2009، أعلن الأسد رفضه السير بالمشروع القطري حفاظاً على مصالح الحليف الروسي، راسماً حدود ازدياد التأثير الخليجي والتركي في بلاده.
اقترح الأسد في المقابل مدّ خط أنابيب من إيران إلى سوريا ولبنان. باتت إسرائيل أيضاً متضررة من الاقتراح السوري البديل الذي يعزّز مكانة أعدائها في الشرق الأوسط.
مذاك، تم اتّخاذ القرار بإسقاط النظام السوري. تُظهر وثائق ويكيليكس أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بدأت باتّخاذ إجراءات عملية لدعم "المعارضة" في سوريا في العام 2009 على ضوء رفض الرئيس الأسد المشروع القطري.
تم التصويب على الأسد نفسه باستحضار كل السمات الديموغرافية السورية، مع أن السنوات الأولى لحكمه شهدت اعترافاً غربياً بسعي الرئيس الشاب للتجديد والإصلاح ويدا ممدودة باتجاه الغرب ضمن حدود المصلحة السورية؛ كما في تعاونه على سبيل المثال في تبادل المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب مع دول غربية. قفز الجميع فوق واقع الدولة السورية المُتقدّمة قياساً الى المحيط العربي.
ولأن العقلية القبلية تتفوّق على أشكال التمدّن في الكثير من دولنا، تحوّل تضارب المصالح مع سوريا الأسد من اختلاف في المقاربة إلى عداء شخصي.
لعلّ خطيئة النظام السوري تكمن في إدراكه متأخراً لحجم ما كان يُحضّر لسوريا. لم يتوقع أحد تكرار السيناريو الليبي أو المصري (مع الفارق في الشكل والمضمون والمقومات) في بلاد الشام.
بعد ست سنوات على بدء الحرب، لا يبدو أن أياً من الأسباب الاقتصادية لاندلاعها قد تغيّرت.
غير أن عاملين حديثين قد يُغيران مسار الحرب ببطء:
- أولاً؛ حجم الثروة النفطية المكتشف حديثاً عند الساحل الشرقي للمتوسط.
- ثانياً؛ إرهاصات التقارب الروسي التركي الذي انعكس اقتصادياً بتوقيع اتفاق ثنائي لبناء خط أنابيب نقل الغاز "ترك ستريم" الذي سيمر عبر البحر الأسود.
في العامل الأول، تحتاج إسرائيل في المديين المتوسط والبعيد إلى استثمار هذه الثروة واستخراجها وتصديرها. وهذه العملية تحتاج إلى حال من الاستقرار الاقليمي.
وفي العامل الثاني، يحمل المشروع التركي في سوريا بذور إسقاطه بالمعنى السياسي. فأنقرة تبحث عن دور اقليمي وازن اقتصادي قد لا تكون موسكو وطهران بعيدة عن توفيره مقابل استدارة بطيئة منها في الوحل السوري.
فهل تلعب المصلحة الاقتصادية مرة اخرى دورها في إخماد ما أشعلته أول مرة؟
المؤكّد أن الميدان لا يحسم حرباً بهذا الحجم والتعقيد، هو فقط أداة تعزيز لقوة المفاوضين على طاولة التسوية الأخيرة.
علي شهاب