موريتانيا: أخطاء متراكمة تثير الشكوك حول شرعية مؤسسات دستورية | صحيفة السفير

موريتانيا: أخطاء متراكمة تثير الشكوك حول شرعية مؤسسات دستورية

أحد, 04/12/2016 - 16:03

مع تباطئ وتيرة الإجراءات التحضيرية لمشروع الاستفتاء الدستوري المعلن عنه في نهاية أشغال الحوار الأخير بين السلطة وبعض معارضتها، يتصاعد القلق مجددا من إمكانية إطالة أمد الوضعية غير الطبيعية التي تعيشها أهم المؤسسات الدستورية بعد رئاسة الجمهورية، أي مؤسسة البرلمان.

لقد أعطى مشروع الاستفتاء بعض الأمل في إمكانية تجاوز "معضلة" تلقي بظلالها منذ سنوات حول شرعية البرلمان، حتى ولو تم ذلك التجاوز من خلال "آخر الدواء: الكي" عبر القضاء على غرفة الشيوخ وانطلاقا من حوار جزئي قاطعته أهم فصائل الطيف السياسي المعارض.

وإذا ما استثنينا الإرباك الناجم عن "الفترة الملتهبة" من انقلاب 2008، فيمكننا القول بأن "معضلة مجلس الشيوخ" بدأت مع مرسوم صادق عليه مجلس الوزراء يوم 07/04/2011، يقضي بتأجيل انتخابات التجديد الجزئي الثاني لمجلس الشيوخ التي كانت مقررة يوم الأحد 24 ابريل 2011، على أن يتخذ لاحقا مرسوم يستدعي الهيئة الناخبة لإجراء تلك الانتخابات.

ذلك المرسوم الذي صدر بعد جدل بين منسقية المعارضة التي طلبت تأجيل التجديد "في انتظار توفر الآليات الكفيلة بشفافية الانتخابات" ووزارة الداخلية التي رفضت تلبية طلب المنسقية استنادا لحجج من بينها أن "منسقية المعارضة الديمقراطية هيئة غير معترف بها قانونا" وأن "الطلب جاء متأخرا بعد أسبوع من بدء إيداع اللوائح". وهو جدل يكشف عن تجاهل الطرفين لحقيقة أن آجال تجديد الشيوخ كما النواب محددة دستوريا وأنها لم تترك لا تحت رحمة مجلس الوزراء ولا منسقية المعارضة (المادة 47 من الدستور)، وأن التلاعب بها يشكل خطرا على السير المنتظم لمؤسسات الجمهورية.

وللأسف سيقود تجاهل هذه الحقيقة إلى سلسلة أخطاء أقل ما يمكن أن توصف به أنها وضعت ظلالا كثيفة من الشكوك حول شرعية البرلمان بغرفتيه: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ!

وهكذا ستقوم السلطة التشريعية بالتجديد لنفسها من خلال القانون الدستوري رقم: 015/2012 الصادر بتاريخ: 20 مارس 2012 الذي نصت مادته 15 على أنه: "تمدد سلطات الغرفتين البرلمانيتين إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة". والمثير في هذا التمديد المستهتر ليس الصيغة الانطلاقية التي ورد بها من دون الشعور بحاجة لتحديد سقف زمني مهما كان لوضع حد لسلطات الغرفتين، بل أيضا لأنه "عطاء من لا يملك ..." باعتبار أن الجمعية الوطنية كانت قد تجاوزت حينها مأموريتها المحددة بخمس سنوات وهي التي انتخب أعضاؤها في استحقاقات 19 نوفمبر و 3 ديسمبر 2006!

وفي وقت لاحق، أي في الـ 4 فبراير 2015 سيعقد مجلس الوزراء اجتماعا استثنائيا للمصادقة على مرسوم جديد بتأجيل انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ، بعد أن كان مرسوم سابق لنفس المجلس قد حدد يوم 24 مارس موعدا للشوط الأول منها، كاشفا بذلك عن تذبذب لا يليق بمؤسسات دولة تحترم نفسها وشعبها وعن ضياع منقطع النظير في متاهات "مراسيم الاستدعاء" ومراسيم التأجيل"!

تمر الأيام والسنون والمعضلة ما تزال ماثلة، فتجد الحكومة نفسها في  03/فبراير/2016 مضطرة للجوء إلى المجلس الدستوري بحثا عن حل ليأتيها الرد حاسما من خلال القرار رقم: 001/2016/ م.د، بأن "كل فئات مجلس الشيوخ الثلاث قد تجاوزت المدة المحددة لها بنص المادة: 47 من دستور 20 يوليو 1991 المعدل" وبأنها "يجب تجديدها دفعة واحدة"!

لم تعد المشكلة إذا في التخلص من فئة أو فئتين بل في كل فئات مجلس قذفت به ذات يوم انتخابات أجريت في 21 يناير و 4 فبراير 2007 وما يزال يصارع من أجل البقاء في نهاية 2016! فيممت الحكومة وجهها نحو حوار مررت خلاله دون كبير عناء توصية بإجراء استفتاء قبل نهاية السنة الجارية عله يكون الخيار الأنسب للتخلص دفعة واحدة وبشكل نهائي من معضلة تؤرق الجمهورية! غير أن عقبات غير متوقعة ظهرت فجأة لتحيل الاستفتاء إلى "الوقت المناسب" وربما إلى سلة المهملات!

للأسف لا تتوقف "معضلة مجلس الشيوخ" عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى مستوى آخر تتكشف من خلاله بعض أبعادها التي تتمدد أفقيا لتطال ما هو أبعد من السلطة التشريعية، أي لتضرب السلطة التنفيذية في قلبها النابض! ذلك أن مجلس الشيوخ خلال مسيرته "الأسطورية" كان قد فقد كلا من رئيسه ونائبه الأول وأصبح اليوم يدار من طرف النائب الثاني السابق لرئيسه.  فهل تمت خلافة الرئيس الراحل طبقا للنصوص المعمول بها؟

قد لا يكون هناك من هو مستعد بشأن الحسم في مسألة محاطة بكثير من الغموض وإن كان مجلس الشيوخ قد أجرى بعيد وفاة رئيسه يوم 11 يناير 2013 تعديلا في نظامه الداخلي تم على أساسه اتخاذ الإجراءات التي مكنت نائبه الثاني من خلافته في منصبه لبقية مأمورية المجلس يوم 13 يوليو 2013، حيث نصت المادة الجديدة على أنه: "في حالة فراغ منصب رئيس مجلس الشيوخ .. يجتمع المكتب استثنائيا ليلاحظ فراغ المنصب ويحرر محضرا بذلك في نفس الجلسة وتنتقل رئاسة مجلس الشيوخ إلى نائب الرئيس الموالي في الترتيب الانتخابي ويباشر مهامه على الفور بكامل صلاحياته كرئيس جديد حتى نهاية المأمورية" (المادة 7 جديدة).

حصل ذلك بالفعل وعلى الرغم من أن نواب الرئيس لا ينتخبون معه في نفس الظروف وأن اختصاصاتهم – ما لم تنشأ عن تفويض خاص- تنحصر في "رئاسة الجلسات وتمثيل مجلس الشيوخ في الدعوات الرسمية"!

لا تنحصر التساؤلات التي تثيرها المادة الجديدة التي تمت على أساسها خلافة المرحوم با امباري، في أنها فصلت وفق مقاس محدد لتفقد بذلك طابع التجريد المطلوب في أي قاعدة قانونية، بل تتجاوز ذلك لتثير أحد الإشكالات الرئيسية في كل هذه المعضلة الذي هو إشكال خلافة رئيس الجمهورية في حالة شغور منصبه لسبب من الأسباب، فهل ستسند لرئيس منتخب في ظروف غامضة لهيئة حكم المجلس الدستوري بأن "كل فئاتها الثلاث قد تجاوزت المدة المحددة لها" وبأنها "يجب تجديدها دفعة واحدة"؟ وهل من الحكمة أن تكون شرعية من يعول عليه في إدارة دفة البلاد خلال الأوقات الحرجة، مثار جدل؟!

السفير