لقد أرسى دستور 20 يوليو 1991م قواعد دولة المؤسسات ومن خلال مراجعة سريعة لمحتوى هذه الوثيقة القانونية نستطيع تحديد أهم ملامح مشروع المجتمع الجديد:
لقد تم التأكيد على مبدإ المساواة لتذوب الفوارق وتمحى الامتيازات غير الشرعية إيذانا بانتهاء عهد احتكار السلطة وحتى يتسنى لمن شاء أن يتقدم إلى الاقتراع الحر والنزيه ويثبت أهليته.
أصبح الشعب مصدر الشرعية وهو ما فتح المجال أمام القوى السياسية للعمل على تأطير وتنظيم القواعد الشعبية ضمن أحزاب سياسية.
وتأتي المحافظة عل خصوصيتنا الحضارية ميزة راسخة لمشروع المجتمع الجديد بالتأكيد على الهوية الإسلامية العربية الإفريقية له.
وفيما يتعلق بالهيئات الدستورية التي تنشأ بموجب هذه الوثيقة التي أصبحت الإطار القانوني الذي يتشكل داخله مجتمع العهد الديمقراطي، أصبحت هذه الهيئات أداة بيد المواطن وواجهة تعكس إرادته.
إن دستور البلاد الذي أصبح المرجع القانوني لكل النظم والتشريعات يعتبر من وجهة نظر الكثيرين من أرقى الدساتير، لأنه جمع أهم خصائص الدساتير المتطورة في الديمقراطيات العريقة مع مراعاته لخصائصنا الذاتية.
لقد تشكلت الخارطة السياسية على نحو يسمح لكافة الحساسيات السياسية بالإعراب عن تصوراتها وعرض برامجها مما ساعد على تعميق الوعي السياسي وفتح الفرصة أمام المواطن لاختيار واسع.
هنا تأتي أهمية الممارسة الديمقراطية وخطورتها في نفس الوقت ما لم يع المجتمع دوره الكامل في استثمار مظاهر الاختلاف والتنوع كعوامل إيجابية ينبغي أن تخلق نوعا من التكامل.
لقد تم استبعاد الفهم السيء للديمقراطية كأسلوب للمناورة يؤدي في النهاية إلى تأجيج الخلافات وإذكاء الصراعات بين القوى السياسية، وهذا الوجه السلبي للتطبيق لا يتماشى وأخلاقنا ومبادئ ديننا.
ما كان كل ذلك ليتحقق لولا تصميم رئيس الجمهورية على تعميم الديمقراطية عن طريق الممارسة اليومية وعلى نحو تدريجي وما تطلبه ذلك من صبر وتؤده للحيلولة دون الانزلاق في المسالك الوعرة التي ضاعت في متاهاتها كثيرة.
يجب أن لا تكون الديمقراطية مرآة عاكسة لواقع التخلف والتناقض حيث ينجرف الناس في تيار الممارسة السلبية لحرياتهم ويتموقعون تبعا لذلك ضمن خنادق من العداوات غالبا ما تحول هذا المظهر الديمقراطي مع احتدام المنافسة إلى نزاعات أهلية وطائفية.
ولعل من يقعون ضحية هذا التصور هم في الغالب المجتمعات الأكثر تخلفا، وذلك ما حدا بكثير من المفكرين -في غمرة الأحداث التي اجتاحت إفريقيا وبلاد كثيرة من العالم الثالث- إلى اعتقاد استحالة نجاح النهج الديمقراطي في بلداننا لأنه أصبح –وانطلاقا من تلك الأمثلة- أداة لتغذية الصراعات وإثارة الفتن بين الشعوب إلا أن المثال الموريتاني يفند تلك الأطروحة.