تعيش عشرات الأسر في "كزرت تنويش" منذ أسابيع ظروفا سيئة، وهي تتقاسم ألامها وأحزانها على منازلها التي تم هدمها بالكامل ودون سابق إنذار،بعد اتخاذ السلطات الإدارية قرارا بجرف تلك المنازل، لتترك الأطفال والنساء والشيوخ يفترشون العراء ويلتحفون السماء؛بعد أن منعتهم حتى الاستظلال بالشجر،ليجدوا أنفسهم مجبرين على التسلل خلسة لسرقة لحظة شاي تحت ظل أشجار يبدو أنها لا تؤيد كثيرا فكرة التعاطف معهم، فصارت لخوفها من مواجهة التهمة الحتمية " بالرحمة" تنوء بظلها وتزاور عنهم، لكنهم لا يجدون غير استجداء تلك الأشجار والرمال،علها تكون أكثر شفقة بحالهم ممن تولوا حالهم.
هنا حيث لم تسلم الأفرشة والأواني،وحتى المؤن من بطش آلة الدمار التي استهدفت كل هذه المنازل وحولتها في لحظة إلى خبر كان، وتركت أهلها يتقاسمون أفعال القلوب ! وينتظرون أملا لا يبدو قريبا ... يتسابقون ويتدافعون إلى كل زائر, حتى ولو كان غراب نحس يعبر أجواء مأتمهم، ليحكوا له ويتفننون في السرد... سرد واقع لا يحتاج كثير إصغاء فشواهده ماثلة للعيان .. تكسير هنا وهدم هناك.. طفل يبكي شدة البرد، وأم تبحث وتفتش بين الركام عن دثار لرضيعها .. شيخ طاعن في السن يجاهد الخرف،ليتدارك ما تبقي من قصة حزينة يرويها وعيناه تتفقدان المكان، وتتصاعد زفراته وهو يرى كل لبنة أنهكه وأجهده التسبب في جمعها على مدى 16 حولا ليشيدها ملجأ على تواضعه، تتحول إلى مجرى غبار ...آه...آه ما أظلم الحكام .
وبين الركام وصرخات الأطفال الجوعى، وعجز الشيوخ ووهن العجائز، تستجمع بعض النسوة ما تبقى لديهن من قوة - رغم ما يشعرن به من دوار من عدم القوت - ليقطعن عديد الكيلومترات قبل الوصول إلى الطريق المعبدة، لاستئناف رحلة جديدة للبحث عن لقمة العيش .. رحلة محكوم عليها بالفشل المسبق، لأنها لا تخلو من مرور على بعض الدوائر ذات الاختصاص؛لينتهي الوقت هناك من جديد مماطلة وتسويفا.... وتستأنف رحلة العودة إلى العراء دون حل لا للعيش ولا للمأساة!
وتبقي الأرض هنا أرضا، ليس إلا.. تريدها الحكومة سوقا للمواشي، ويريدها المواطن سكنا على بعده وتواضعه، حتى ولو كانت كرامته ثمنا لذلك، فإن ولاة الأمر لا يهتمون كثيرا لتلك الكرامة ولا تساوي بالنسبة لهم أي شيء مقارنة مع ضريبة تتم جبايتها على المواشي... ضرائب يقول هؤلاء إنها لن تعود إليهم بالنفع، وأن ريعها سيدخل جيوبا محددة !