اختتمت “مؤسسة الفكر العربي” فعاليات مؤتمرها “فكر15” في أبوظبي، الذي انعقد تحت رعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالشراكة مع الأمانة العامة لـ”جامعة الدول العربية”، تحت عنوان “التكامل العربي: مجلس التعاون ودولة الإمارات العربية المتحدة”، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذكرى الخامسة والأربعين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
عُقدت جلسة ختامية حضرها الأمير خالد الفيصل، والرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميّل، وممثّلون عن منظّمات وهيئات ثقافيّة وفكريّة واقتصاديّة ونُخبة من المفكّرين وكبار الإعلاميين، حيث تضمنت الجلسة عرضاً لنتائج تحليل الاستبيان الذي وُزّع في الجلسة التفاعليّة حول الإعلام والبحث والعلميّ. وقدّم محمد أبو شقرا عرضاً مُفصّلاً مصحوباً بالشرح والرسومات البيانيّة لأهمّ العناصر والموضوعات التي أجمعت عليها الأسئلة التي خرجت بها الجلسة التفاعليّة، وتمّ تسليمها إلى اللّجنة المُختصّة بتحليل وصفي للبيانات.
وأوضح أبو شقرا أنّ عدد حضور الجلسة بلغ 203 مشاركين، وأنّ عدد الاستمارات الموقّعة بلغ 155 استمارة، فيما وصل عدد الإجابات إلى 192 إجابة. وأكّد أنّ 84% أجابوا بـ”لا”على سؤال “هل أنتم مطمئنون للمستقبل العلميّ للأطفال العرب والشباب؟”، فيما أجاب 68% بـ”نعم” على سؤال “هل نحن قادرون على مواجهة التحديّات؟”، و90% وافقوا على “أنّ استهداف القدرات البشرية واستنزاف الإمكانيات الماديّة العربيّة يؤثّر على عملية النهوض والتنمية”، كما أجاب 93% بـ”لا” على سؤال “هل المجتمعات العربية بمنأى عن آثار التحوّلات الإقليميّة والدوليّة؟” وأجاب 72% بـ”نعم” على سؤال “هل تعتقدون أنّ المجتمعات العربية قادرة على تجاوز تداعيات عدم الاستقرار؟” أمّا بخصوص واقع الإعلام فأجاب 64% بـ”لا” على سؤال “هل مازال الإعلام العربيّ المكتوب قادراَ على الاستمرار في مهمّته التنويريّة؟” و48% بـ”نعم” على سؤال “هل ساهم تطوّر الإعلام المرئيّ وتنوعه في التقريب بين المجتمعات العربيّة؟” والنسبة نفسها وافقت على أنّ تعدّد الإعلام المسموع وتنوّعه وكثافته يُساعد في تحديدنا لوظيفته الإعلاميّة، بالنسبة إلى واقع مؤسّسات البحث العلميّ، فقد أتت النتائج على النحو التالي: 90% أجابوا بـ”لا” على سؤال” حول “إنتاجيّة الجامعات من البحث العلميّ وإذا ما كانت تلبّي احتياجات المجتمعات العربيّة؟”، و69% أيضاَ على سؤال” هل تتوفّر الكفاءات البشريّة والإمكانات الماديّة لمراكز البحث العمليّ العربيّ المستقلّة؟” و88% كذلك على”هل تُحقّق إنتاجيّة مراكز البحث العلميّ الرسميّة النتائج العلميّة الضروريّة في كافة المجالات؟”، ولم يوافق 77% على أنّ مراكز الأبحاث التابعة لمنظّمات العمل العربيّ المشترك تساهم في تلبية احتياجات التكامل العربيّ. أما نتائج العلاقة بين الإعلام ومؤسّسات البحث العلميّ فتُظهر أنّ 64% لم يوافقوا على أنّ متابعة الإعلام العربيّ تعزّز المعرفة بنتائج البحث العلميّ، و71% أجابوا بـ”لا” على سؤال “هل يسهم الإعلام العربيّ في تسليط الضوء على دور العلم في تطوّر المجتمعات؟” فيما وافق 84% على أنّه من الضروريّ أن تقدّم مؤسّسات البحث العلميّ صياغة إعلاميّة لنتائج أبحاثها العلميّة، وأيضاً 84% وافقوا على أنّ التفاعل بين البحث العلميّ والإعلام يُسهم في النهوض الاجتماعيّ والاقتصاديّ، و79% وافقوا كذلك على أنّه من واجب مؤسّسات الإعلام الرسميّ نشر نتائج البحث العلميّ، بينما أجاب 80% بـ”لا” على سؤال “هل يراعي الإعلام الرقميّ تقديم الحقائق العلميّة دائماً؟”.
أما نتائج الإجابة على أسئلة مؤسّسة الفكر العربيّ فظهرت على الشكل التالي: 95% أجابوا بـ”نعم” على السؤالين التاليين: “هل توافقون على تبنّي مؤسّسة الفكر العربيّ لثقافة السؤال؟”، “هل توافقون على اعتماد الآليات التفاعليّة في مؤتمرات مؤسّسة الفكر العربي؟”.
وختم أبو شقرار عرضه مؤكّداً أن “مؤسسة الفكر العربي” تلتزم بموضوعات أربعة كأهداف لعام 2017 وهي: علاقة الإعلام بالبحث العلميّ، الاقتصاد والسياسة، التكامل العربيّ، مجتمع المعرفة.
ثم عُقدت ندوة حول التقرير العربيّ التاسع للتنمية الثقافيّة، بهدف تسليط الضوء على مسيرة إنجاز هذا التقرير. وقدّم عدد من الباحثين مداخلات في هذا السياق، وأكّد البروفسور هنري على أهمّية التقرير الذي أصدرته المؤسّسة، والتي أرجعها إلى منهجيته الرصينة وأبعاده العلمية والمعرفيّة شديدة الأهميّة والدّقة، موضحاً أنّ ثمّة ثلاثة أبعاد أساسيّة يستند إليها التقرير، وهي البعد الوصفي المعنيّ بوصف ورصد الجوانب المختلفة للحياة الثقافيّة في دول الخليج، وثانياً البعد التحليليّ، فلم يكتفِ الباحثون بالوصف وعرض المعطيات الخاصّة بالحياة الثقافيّة وإنما عمل الباحثون الدارسون على تحليلها واستخلاص النتائج. والبعد الثالث تمثّل في ربط المعطيات والجذور التاريخيّة بالمستقبل، كنوعٍ من الحرص على الاستشراف وقراءة المستقبل وتقديم التوصيات الواجب اتباعها.
واستهلّ عليّ الدين هلال كلمته باستعارة مقولة الباحث والمفكّر الكويتيّ محمد الرميحي “الخليجُ ليس نفطاً”، وليس الخليجُ ثروة ولا فنادق فاخرة ولا مبانٍ شاهقة، وإنّما الخليج حضارة وثقافة ومكوّن من مكوّنات الثقافة العربيّة، منوّهاً بالتقرير الذي يشير إلى وجود حالة جدل ونقاش واسع حول حدود الابتكار وحريّة المبدع.
ولفت إلى وجود تغيّر في إدراك النُّخب الحاكمة في الخليج بأهميّة الثقافة، حتى ظهر مفهوم الاستثمار في الثقافة واعتبارها مصدراً من مصادر الدخل القوميّ، مُتمنيّاً من المؤسّسة تنظيم عدد من البرامج النقاشيّة وعقد ورش عمل في دول عربيّة عدّة لإبراز نتائج التقرير وما توصّل إليه، وأهميته، وكذلك السّماح لجهات حكوميّة غير خليجية بإعادة طباعة التقرير ونشره على إطار واسع وبأسعار رمزية.
الباحث الدكتور يوسف الحسن رأى أنّ الاهتمام بالثقافة في دول الخليج كان متأخّراً حتّى وقتٍ قريب، فيما بدأت الأمور تتغيّر بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وشدّد على أنّ أيّ استراتيجيّات مُشتركة لابدّ أن تجيب عن تساؤل: أيّ مجلس للتعاون بين دول الخليج نريده في المستقبل؟ وهو سؤال مرتبط بالإرادة السياسيّة في المقام الأول. ولفت إلى أنّ الثقافة في الخليج تعمل على تأكيد الهويّة العربيّة الإسلاميّة، وتستلهمُ التراث من دون تجاهل معطيات العصر الحديث.
وختم الأمير خالد الفيصل بكلمة قال فيها: “إنّ التقرير السنويّ الذي تُصدره المؤسّسة خُصصّ هذا العام للحديث عن تجربة مجلس التعاون الخليجيّ العربيّ، ودولة الامارات العربيّة المتّحدة، لأنّنا نُقدّم هاتين التجربتين هذه السنة كأنموذجٍ للتكامل العربيّ، الذي خصّصنا له الوقت والجهد منذ أن انطلقت الفكرة من مؤتمر فكر في الصُخيرات قبل عامين، مروراً بالقاهرة العام الماضي، وانتهاءً بهذا المؤتمر في أبوظبي”.
وقال الأمير خالد الفيصل أيضاً: “أنا سعيد جداً بأنّ الفكرة التي انطلقت قبل سنتين تبنّتها الدول العربيّة وتبنّتها القيادات العربيّة أيضاً، وتردّدت كثيراً في أروقة الحكومات، وفي جامعة الدول العربية وفي مجلس التعاون الخليجيّ، وآخرها مؤتمر القمّة الخليجيّة قبل أيام في البحرين، عندما أكّد نهج التكامل العربيّ لدول الخليج، مشيراً إلى أنّ هذه المسألة يجب أن نقف عندها طويلاً نظراً لأنها غير مسبوقة وغير معهودة في قضيّة التنمية والتطوير في الوطن العربيّ”.
وأضاف، “سمعنا كثيراً عن أراءٍ وأفكارٍ تُطرح هنا وهناك، لكنها كانت تأخذُ عشرات السنين أو ربما مئة عام حتّى نرى لها تأثيراً مباشراً على أرض الواقع. وأضاف: عندما أقمنا هذه المؤسّسة كنّا على الطريق الصحيح، وحين طرحتُ إنشاء مؤسّسة تحت شعار المبادرة التضامنيّة بين الفكر والمال للنهوض بالأمّة قبل 16 عاماً، تشكّك منها الكثيرون وتراجع عنها أكثر من الكثير، بل وقد تمّ تحذيري من أن أطرح الفكرة من الأساس، لكن ولله الحمد نجحت هذه الفكرة بجهود أفراد المجتمع العربيّ المُستنير، فكانت الدعوة صريحة، والاستجابة سريعة”.
كما قال: “عندما سألني البعض في ذلك الوقت لماذا هذه المؤسّسة ولماذا تُعنى بالثقافة، أجبتُ أن الأصل من وجود هذه المؤسّسة هو تجسير الفجوة بين المُفكّر والمُثقّف من جهة، والمسؤول والسياسيّ من جهة أخرى، موضحاً أن الاستجابات السريعة على هذه الأفكار التي تنطلق من اجتماعات ومن آراء وأفكار أهل الفكر والثقافة، هي علامة فارقة في التغيير الذي يحدث في هذا الجزء من العالم، ولنا الشرف جميعاً أنّنا جُزءٌ من هذا العالم وأنّنا نسعى لتطويره”.
وعبّر الأمير خالد الفيصل عن سعادته البالغة واعتزازه بالمجموعات التي تبنّت بسرعة كلمة أُلقيت في بداية هذا المؤتمر وهي طرحُ فكرٍ جديدٍ لنهجٍ جديد، قائلاً: “ولم أكن أتصوّر أنها ستكون محوراً لنقاشات هذا المؤتمر بالذات، وأن يخرج منها تقريرٌ على هذا المستوى من الإدراك والوعي، ونحن سوف نسعى لإيصال هذه التقارير إلى أصحاب القرار في الحكومات العربيّة وفي المؤسّسات الثقافيّة والاجتماعية في جميع أنحاء الوطن العربيّ. وسنستمر في دراسة هذا الموضوع خلال العام القادم”.
جدير بالذكر، أن “مؤسسة الفكر العربي” هي مؤسّسة دولية مستقلّة غير ربحيّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة أو بالتوجّهات الحزبيّة أو الطائفيّة، وهي مبادرة تضامنيّة بين الفكر والمال لتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها وأخلاقها بنهج الحريّة المسؤولة، وهي تُعنى بمختلف مجالات المعرفة وتسعى لتوحيد الجهود الفكرية والثقافية وتضامن الأمّة والنهوض بها والحفاظ على هويّتها.