انطلاقا من التطورات الآنفة ظهرت بعض المسلكيات الديمقراطية التي جرى التأكيد عليها في كل النظم العصرية، وألح سيادته على تكريسها وضمان حمايتها، وكان من بين القيم التي تم التأكيد عليها في كل الممارسات السياسية، "الحرية" بكل ما تعنيه هذه الكلمة وحتى لا يفهم الناس أن الحرية مرادفة للفوضى أو أنها رفع للحواجز النفسية والأخلاقية أوجب المشرع أن ينظر إليها في إطار القانون وأن يكون تداولها طبقا لما تمليه النصوص القانونية، فلا حرية إلا بالقانون ولا قيد عليها إلا به، لذلك استدعت ممارستها حدا أدنى من الوعي والتنظيم حتى لا يتخذها المبطلون ذريعة لحمايتهم من القانون زاعمين أن خروجهم عليه حق. من هذا المنطلق تصبح الحرية وبالا على الشعوب ومعبرا إلى تدمير وسائلها لا طريقة إلى الحياة السعيدة.
إن الحرية كأهم دعامة في الممارسة الديمقراطية وأغلى مكسب في ظل دولة القانون تعني بالدرجة الأولى أسلوبا مدنيا يعمل على إثراء الحوار وتعميق الرؤية في معالجة قضايا الوطن، كما تعني في نفس الوقت فتح المجال أمام كل الطاقات وبذلك تكون الحرية أسلوب حياة يتطلب مستوى من الوعي والانضباط، وهنا يمكن أن نفهم مغزى ذلك التنوع في الحريات التي كرسها دستور 20 يوليو من أجل خلق مناخ تنصهر فيه جهود كل القوى الخيرة لضمان مستقبل أفضل.
وبذلك وحده تتهيؤ الظروف لجعل كل واحد أمام مسؤولياته خاضع لإرادة المجتمع الذي يحاسبه على أخطائه في خلق وطنه، إنها مفهوم ينهض بالشعوب وفق شخصيتها الحضارية ويطور واقعها وما عدا ذلك فإن الحرية لن تعدو أن تكون مجرد شعار وستنشأ في ظلها تيارات تروج لأغراض لا تستجيب لطموحاتنا وتفتقر إلى الشرعية والموضوعية والأخلاقية.