محمد المصطفى ولد بدر الدين!!.. هكذا يكون تعريف ضيفنا الغني عن التعريف.. ولمن لا بد له من التعريف الروتيني، يكفي أن نقتطع جزءا يسيرا من حياة ضيفنا السياسية الحديثة: فلقد كان من أهم أقطاب المعارضة المؤسسة لحزب اتحاد القوى الديمقراطية الذي دعم ترشح السيد أحمد ولد داداه في أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد، قبل أن يصبح أمينا عاما لحزب اتحاد قوى التقدم؛ ليتم انتخابه -لاحقا- نائبا عنه في الجمعية الوطنية.
وإلى جانب رئاسته لكتلة نيابية معارضة، تم انتخابه في آخر مؤتمر لحزبه نائبا لرئيس الحزب.
"السفير" زارت النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين في منزله بحي "كرفور" بمقاطعة عرفات؛ وأجرت معه اللقاء التالي:
السفير: ما تقييمكم لظروف الحوار مع السلطة، بعد مبادرة التجمع الأخيرة؟
محمد المصطفى ولد بدر الدين: أعتقد أن انعقاد الملتقى واختتامه على أساس اتفاق -بإجماع- بين الأحزاب السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني على عريضة حد أدنى؛ اعتقد إذن؛ أن الحوار قطع شوطا كبيرا في موريتانيا لأنه -كما تذكرون- قبل هذا الحدث كان هناك مؤتمر اتحاد قوى التقدم الذي انعقد من 31 مارس إلى 2 ابريل وقد شهد هذا المؤتمر حضور كافة أطياف الساحة السياسية، من أغلبية إلى معارضة إلى منظمات مجتمع مدني، وكان حدثا بارزا في تاريخ الحوار السياسي في موريتانيا..
مع أن الناس هناك لم يتحاوروا، ولكن حضورهم لمناسبة واحدة يعتبر بداية القبول بالآخر، وهذا هو أساس الحوار.. ما قبل ذلك كانت الساحة السياسية تشهد قطيعة تامة بين ما يسمى بالأغلبية الرئاسية وغالبية أحزاب المعارضة، ففي ماعدا اتحاد قوى التقدم لم يكن هناك حزب معارض يقبل حضور مناسبة سياسية واحدة مع النظام، وكذلك أحزاب الأغلبية لم يكونوا يقبلون اللقاء بأحزاب المعارضة.. وخصوصا بعض أحزاب المعارضة.
أنا اعتقد أن هذا الملتقى طوى صفحة وفتح أخرى.. طوى صفحة القطيعة بين المعارضة والنظام، وفتح صفحة الحوار بينهما، وثانيا: أسس أرضية صلبة لانطلاق هذا الحوار؛ لكن هذه مجرد بداية لعملية طويلة ومعقدة؛ هي عملية الحوار حول القضايا الشائكة التي تتعلق بالديمقراطية والشفافية والتعاون بين الحكومة والمعارضة ومكانة الأحزاب وقانون الانتخابات.. مما يعني أنها تتعلق بطائفة من المشكلات التي يتطلب حلها وقتا كبيرا، كما تتطلب طرقا وأساليب مختلفة، وبالتالي فلا يظنَّ أحدٌ أنه بمجرد بداية اللقاء بين المعارضة والحكومة سيتم الاتفاق؛ فينبغي أن نتوقع تقدما ملتويا؛ كما هي القاعدة في التقدمات التاريخية التي لم تقع في شكل مستقيم، وإنما تقع في أشكال ملتوية.. وكما تخوف البعض فبمجرد اللقاء والوصول إلى البيان المشترك بدأت الاعتقالات، وهذا عائق كبير؛ لأن الجميع خرج من اللقاء بصدور مفتوحة لبداية عهد جديد من حل المشكلات بين الحكومة والمعارضة عن طريق الحوار، وعن طريق الأساليب الحضارية، ولم يكن متوقعا أن الحكومة ستعود سيرتها الأولى لتصفية الحسابات عن طريق اعتقال زعماء المعارضة، ولكن ذلك حدث.. كما حدث من قبل ذلك..
نحن في نهاية أغشت 2004 عقدنا لقاء مع رئيس الجمهورية، وكان لقاء بناء.. خرجنا منه متفائلين بالانفتاح، وفعلا عقدنا ندوة بدار الشباب يوم 23 أغشت...
السفير: أثناء لقائكم مع الرئيس.. هل تعهد لكم بفتح حوار مع المعارضة؟
م. م. بدر الدين: ذكرت ذلك في مقابلة سابقة مع جريدتكم؛ وهو أنه تعهد لنا بفتح باب الحوار مع المعارضة إذا كانت المعارضة مستعدة لأن تكون معارضة ديمقراطية وجمهورية؛ مما يعني أنه كان هناك استعداد ظهر فيما بعد في محاكمة وادي الناقة ونتائجها، لكن بمجرد هذا اللقاء، وبمجرد اللقاء الذي عقدناه في دار الشباب -والذي حضره جميع أحزاب المعارضة- وإعلاننا جميعا للاستعداد للحوار، جاءت أحداث أغشت، التي شهدت اعتقالات شملت الكثير من الضباط والجنود، وجاءت بعد ذلك أحداث سبتمبر، وأنا لا أقول إن تلك الاعتقالات لم تكن لها تبريرات معينة، لكن الغريب -والذي لا نفهمه- هو أنه بعد الأمل الذي خلقه ذلك للقاء، يتجه النظام إلى القمع ولا يلتفت إلى ضرورة الانفتاح واللقاء مع أحزاب المعارضة، فهذا هو الشيء السلبي الذي محا -بالاعتقالات- تلك البادرة التي رأى الناس فيها حصول شيء جديد..
نحن الآن نرى نفس الوضعية، فهناك أمل خلقه الحوار من خلال الملتقى الذي نظمه التجمع، وبالاعتقالات بدأ هذا الأمل يتلاشى في بعض الأوساط.. والجديد هنا -من ناحية النظام- هو أنه بعد بداية الاعتقالات أصر رئيس الجمهورية على أن يقول إنه يساند نتائج الملتقى، وكذلك أعلن وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان مشاركة الحكومة في ذلك الملتقى، وثانيا وقعت أحداث مبشرة أيضا؛ كالاعتراف بمنظمات لحقوق الإنسان؛ والتي يرأسها كل من: بو بكر ولد مسعود وإبراهيم ولد أبتِ وفاطمة امباني. وفي رأينا فكل هذه إشارات إيجابية تفيد بأن الحكومة ماضية في طريق الحوار إلى جانب الإشارات السلبية التي تفيد برسالة أخرى.. والمشكلة السياسية الكبيرة الآن هي قدرة الجميع -سواء أكان الحكومة أم المعارضة- على أن لا تترك العناصر السلبية تنسف العناصر الإيجابية وأن لا نقبل بأن نتحول من إرادة لحل المشاكل عن طريق الحوار إلى إرادة لحلها بطرق التصفية والقمع، فهذه هي المشكلة التي تتطلب منا جميعا رفض العودة إلى الوراء، ولكن أيمكننا أن لا نعود إلى الوراء؟ فالواضع المريح هو أنه يجب على الحكومة أن تطلق سراح المعتقلين الذين لا ذنب لهم، وإذا كان هناك من ثبتت اتهامات ضدهم بالدليل القطعي فعلى الحكومة أن تحيلهم إلى العدالة.
فهذا هو العدل أولا؛ وهو ما يتطلبه منا الوضع ثانيا.. فاستمرار الاعتقال؛ وزيادة أعداد المعتقلين؛ من دون أن يكون للرأي العام الوطني أي مبرر يمكن أن يستند إليه في قبول اعتقال هؤلاء.. كل ذلك يزيد الطين بلة؛ ويمكن أن يؤدي إلى تراكمات قد تردنا إلى الوراء، هذا من ناحية الحكومة ومن ناحية المعارضة فعليها؛ في الوقت الذي يجب أن تواصل إدانتها للاعتقالات؛ لكونها -أولا- أمر غير عادل، ولكونها -ثانيا- عملا سياسيا سلبيا يمكن أن ينسف الإرادات الطيبة التي ظهرت في الملتقى الأخير؛ لكي نتابع خطواتنا إلى الأمام، وفيما يعني أصحاب مبادرة الملتقى: ينبغي لهم أن يسرعوا بتحويل هذا الملتقى والبيان الذي صدر عنه إلى تنظيم ثابت ودائم، أي أن تكون هناك لجنة متابعة لهذا الملتقى تتألف من أبرز الأحزاب السياسية وكبريات منظمات المجتمع المدني أيضا، وينبغي أن لا تكون لجنة واسعة جدا حتى لا تتحول إلى ملتقى آخر ولن تعمل شيئا، لكن ينبغي -أيضا- أن تمثل التيارات الأساسية في المجال السياسي وفي المجتمع المدني، وأن تحول الاقتراحات العامة التي وصلنا إليها جميعا إلى مقترحات ملموسة في جميع المجالات، وبالتالي فينبغي أن نبدأ العمل في هذا النطاق؛ ولعلمكم فنحن -في اتحاد قوى التقدم- نقوم منذ أسابيع بحملة اتصالات واسعة في أحزاب المعارضة لكي تنسق موقفها، وفي بعض أحزاب الأغلبية؛ وخصوصا حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة؛ لكي يسرع بتجسيد الاتفاق الذي حصل في ملتقى الحوار الذي نظمه هذا الحزب؛ وقد اتصلنا -حتى الآن- بغالبية أحزاب المعارضة، ونحن على مستوى المعارضة نناقش كيف نستفيد من هذا الجو، وكيف ندفع خطوات الحوار إلى الأمام.
السفير: هل كانت هناك محاولات جديدة من طرف حزبكم للقاء رئيس الجمهورية؟
م. م. بدر الدين: لا.. اللقاء بيننا مع رئيس الجمهورية -عادة- مفتوح؛ لأن الحوار هو سياستنا مع النظام، ولكن لم نبرمج في الوقت الراهن لقاء جديدا مع الرئيس، ولكن قد نبرمجه في أي وقت.
السفير: مضت -الآن- تسعة أشهر على آخر لقاء بينكم وبين الرئيس.. فهل هناك عوامل حالت دون برمجتكم للقائه؟
م. م. بدر الدين: ليست هناك أية عوامل تمنعنا من برمجة لقاء مع رئيس الجمهورية.
السفير: هل توصلتم بدعوة من الحزب الجمهوري بخصوص ما قيل إنه مبادرة لعقد جولة من الحوار قد تكون بديلا عن الجولة التي كان من المقرر أن ينظمها ويشرف عليها حزب الجبهة الشعبية؟
م. م. بدر الدين: لم نتوصل بهذه الدعوة، ولا أعتقد أنها موجودة أصلا، فلقد اطلعت على ما نشر في بعض وسائل الإعلام المستقلة، ولكنني لا أصدق ذلك؛ لأن المطروح هنا -حسب علمي- هو أنه بعد أن قام أحد أحزاب الأغلبية بتنظيم ملتقى كان من المفروض أن تكون الجولة القادمة من نصيب أحد أحزاب المعارضة، هذا من الناحية المنطقية، ولذلك ترشحت الجبهة الشعبية لاستضافة تلك الجولة، والذي علمتُ به هو أن حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة يرى ضرورة مواصلة جهوده حتى يتم وضع لجنة المتابعة، وبعد ذلك يترك العمل لأحد أحزاب المعارضة.. أما أن يقوم الحزب الجمهوري بدعوة الأحزاب فهذا غير منطقي؛ ولا اعتقد أنه يمكن في الوقت الراهن.
السفير: إلى أي حد تتداخل الأمور بين مبادرتكم بالاتصال بأحزاب المعارضة، وبعض أحزاب الأغلبية، مع الجولة التي سيستضيفها حزب الجبهة الشعبية؟.
م. م. بدر الدين: اعتقد أن هذا ينصب في اتجاه واحد، فالجبهة الشعبية تريد أن تنظم ملتقى ثانيا مشابها لملتقى التجمع، والجديد فيه أنه -هذه المرة- عند حزب من أحزاب المعارضة، بعد أن تم عقد جولته الأولى عند أحد أحزاب الأغلبية أما ما نقوم به نحن فلا يتعلق بمن سينعقد عنده الملتقى ولكن يتعلق بالأرضية التي ستكون الأساس الذي تتحد عليه المعارضة أثناء الجولات القادمة من الحوار؛ وثانيا: كيف سيتم التنسيق مع جانب الأغلبية في تلك الجولات.
السفير: إذن فمبادرتكم تقتصر على أحزاب المعارضة؟
م. م. بدر الدين: نعم.. في إطار المعارضة.
السفير: كيف تقرؤون الاعتقالات التي يتعرض لها التيار الإسلام من حين لآخر؟
م. م. بدر الدين: أنا اعتقد أن الاعتقالات في موريتانيا -منذ القديم- يمكن أن تقرأ من خلال حرص الحكام على قمع معارضيهم؛ وكلما كانت معارضة ما تشكل "تهديدا" -يجب أن تضعها بين مزدوجتين- على النظام يكون نصيب هذه المعارضة؛ أو هذه الحركة؛ أو هذا الحزب السياسي.. من القمع أكبر من نصيب مثيلاتها من أحزاب المعارضة أو الحركات السياسية الأخرى.
وفي السنوات الأخيرة لا شك أن الحركة الإسلامية أظهرت استقطابا واسعا في الشارع الموريتاني، وأظهرت تحديا كبيرا للنظام القائم، وبالتالي دارت عليها الرحى، وبتعبير آخر: اتجهت إليها طاحونة القمع أكثر من أحزاب المعارضة الأخرى، كما كان حال اتحاد القوى الديمقراطية/عهد جديد في السنوات: 92، 93، و94 والآن أصبح النظام يعتقد أن الخطر آت من جهة الحركة الإسلامية؛ وبالتالي يركز جهوده عليها لإضعافها؛
هذا من الناحية التاريخية هو التفسير الذي استخلصته من تجربتي الطويلة مع الأنظمة الموريتانية المتعاقبة؛ هذا أولا.
ثانيا: الحركة الإسلامية في العالم العربي الآن -وهذا ليس خافيا- تجتاز محنة كبيرة، فهي مطاردة في الجزائر، وفي تونس، وفي المغرب.. وهذه دول ترتبط بها موريتانيا -والنظام القائم خصوصا- بكثير من العلاقات؛ ولا شك أن عدوى القمع في الجزائر -وفي كثير من البلدان العربية الأخرى- انتقلت إلى موريتانيا.
ثالثا: هناك المناخ الدولي وموقف الولايات المتحدة من الجماعات الإسلامية بصورة عامة؛ فأعتقد أن هذا -أيضا- سبب غير مباشر فيما تلاقيه الحركة الإسلامية في موريتانيا في الوقت الراهن.
لا أريد من هذا أن أنكر أن هناك بعض مكونات الحركة الإسلامية التي تتبنى خطابا متطرفا وهي؛ حتى الآن -إذا كانت موجودة- تشكل أقلية هامشية؛ لا يمكن أن تعامل على أساسها الحركة الإسلامية؛ ويمكن أن يُستغل هذا؛ ولكن لا أعتقد أنه هو السبب الرئيس.
فالحركة الإسلامية -في الوقت الراهن- تشكل إحدى مكونات المعارضة التي يعتبرها النظام أكثر تهديدا من غيرها.
نسيت أن أقول سببا رابعا: وهو أن هناك في بعض أجهزة السلطة -خصوصا في قوى الأمن- من لا يريد لسياسة الحوار والانفتاح أن تنجح؛ لأن قوى الأمن هذه مرتبطة بجماعات استفادت مكاسب كثيرة وامتيازات ضخمة تحت النظام الاستثنائي، وفي عهد الدكتاتورية، وفي عهد تزوير الانتخابات.. جمعت أموال طائلة، واحتلت مناصب في البرلمان، وفي الحكومة، وفي المؤسسات الاقتصادية.. لا تستحقها؛ سواء أكانت مكاسب مالية؛ لأنها لم تحصل عليها بعرق الجبين؛ وإنما حصلت عليها بالطرق الملتوية. ولا تستحق مناصب سياسية؛ لأنها لم تحصل عليها عن طريق انتخابات شفافة ونزيهة؛ وإنما حصلت عليها عن طريق التزوير.. وبالتالي ترى في الانفتاح طريقا إلى مزيد من الديمقراطية والشفافية.. وهذا يشكل تهديدا خطيرا لمصالحها.. فكلما كان هناك تقارب تشعر بالخطر يقترب، فتبدأ تدبر -بشكل أو بآخر- مؤامرةً ما لإفشال التقدم في هذا السبيل، وبما أن الحركة الإسلامية -كما قلت- في الوقت الراهن هي المستهدفة من طرف النظام، ومستهدفة من طرف القوى الإقليمية والدولية فإن اتهامها -بالتالي- هو الأسهل تصديقا؛ وكل ما يحاك عنها من كذب يلقى آذانا صاغية.
السفير: إذن فأنتم لستم مع الطرح القائل إن توسيع دائرة اعتقال الإسلاميين -هذه المرة- جاء لتوفير الظروف المناسبة لتطبيق "قانون المساجد" وقوانين أخرى من بينها ابرتوكول حقوق المرأة الإفريقية الذي صادقت عليه جمعيتكم وأثار جدلا واسعا، وكذلك توفير مناخ ملائم لزيارة شالوم.. بالإضافة إلى خطوات أخرى قد تكون لاحقة؟
م. م. بدر الدين: أنا لست من الذين يفسرون الأحداث -الداخلية أساسا- بالعوامل الخارجية؛ فأنا أبحث -أولا- عن الأسباب الداخلية، ولا أنكر الأسباب الخارجية، لكنني أعتقد أن تطبيق قانون المساجد نفسه يدخل في نطاق محاربة الحركة الإسلامية؛ وليس هو الهدف الذي تم قمع الحركة من أجله.
أما زيارة شالوم -إذا كان ذلك ممكنا- فقد تكون سببا غير مباشر؛ لكن شالوم جاء؛ ولم تتم مضايقته كثيرا.. تظاهر الطلبة وبعض الشباب؛ وهذا شيء طبيعي لا يشكل شيئا، ويمكن أن يأتي شارون وسيتظاهر الموريتانيون ضده؛ لكن هذا لا يبرر قمع حركة سياسية.
أما فيما يخص الابروتوكول فقد علقت عليه في عدد سابق من جريدتكم.
السفير: يروج في بعض الأوساط أن هناك خلافات بين حزبكم وبين حزب التحالف الشعبي التقدمي، هل هذا صحيح، وكيف تنظرون إليها، وإلى أي حد أثرت في تنسيق أحزاب المعارضة، وهل هناك جهود لتسوية الخلاف؟
م. م. بدر الدين: كما قلت تكلمت الصحافة ووقعت ردود متباينة بين اتحاد قوى التقدم والتحالف الشعبي التقدمي حول الموقف من الحوار.. وتم اللقاء بيننا وبينهم، واتفقنا جميعا على أن نطوي تلك الصفحة، وأن نتوقف عن تبادل الاتهامات، وأن نحل المشكلات عن طريق الحوار والنقاش، ونحن الآن في لقاءات متواصلة.
السفير: أتحت إشراف وسيط؟
م. م. بدر الدين: لا.. لقاءاتنا ثنائية بين اتحاد قوى التقدم والتحالف الشعبي التقدمي.
السفير: لكن ما هي نقاط الخلاف؟
م. م. بدر الدين: خلافتنا ليست حول الحوار كمبدإ؛ فكلا الحزبين يتبناه؛ ولكننا نختلف في طريقة -وأسلوب- الحوار، فاتحاد قوى التقدم يرى أن الحوار -لحزب يتبناه كسياسة في الوقت الراهن- ينبغي أن يكون بالاتصال المباشر مع رئيس الجمهورية، والنقاش معه، والحوار معه؛ بينما لا يرى التحالف الشعبي التقدمي ضرورة لذلك؛ وإنما يرى أن رئيس الجمهورية هو الذي ينبغي أن يبادر بالاتصال بأحزاب المعارضة.
ثانيا: التحالف الشعبي التقدمي لا يرى أن اللائحة التي اتفقت عليها أحزاب المعارضة في شهر أكتوبر الماضي كافية، ويرى أنها ينبغي أن تكون أوسع؛ لتضم نقاطا لم تدرج فيها؛ بينما يوافق حزبنا على تلك اللائحة كما هي .
ثالثا: يرى حزب التحالف أن الحوار مع النظام لا يمنع من تحميله علنا -وبالأسلوب الصريح- مسؤولية الفساد والأحداث الأليمة التي جرت في موريتانيا في عهده؛ بينما يرى حزب اتحاد قوى التقدم -في الوقت الذي يرى فيه أن أخطاء النظام لا ينبغي السكوت عنها وينبغي نقاشها- لكن من حيث أسلوبنا أن من يحاور يجب أن يتخذ أسلوبا مغايرا لأسلوب من يجابه ومن يقاتل.. هنا يكمن الخلاف؛ ولكنه -كما ترى- خلاف بسيط؛ وهو في رأينا كذلك، وليس خلافا في المبدإ، وعليه فنحن عندما التقينا ناقشنا كل الجوانب ونتابع نقاشها، وقد اتفقنا على أن كل حزب له الحق في أن ينتهج الطريقة -والأسلوب- الذي يراه مناسبا، وهذا لا ينبغي أن يكون مصدر خلاف بينه وبين حزب آخر؛ خصوصا إذا كان هذا الحزب من أحزاب المعارضة، وعليه فقد توصلنا إلى أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ولذلك ينبغي أن نسعى إلى أن نتفق لا أن نختلف.
السفير: يتهمكم البعض بمولاة النظام، وعرقلة جهود المعارضة، فما ردكم؟
م. م. بدر الدين: فيما يخص الموالاة -بمعناها السياسي- أعتقد أن حالنا يغني عن سؤالنا فالذين يوالون النظام هم أولئك الذين يصوتون له أثناء الانتخابات، ويضعون معه لوائح انتخابية مشتركة، وإذا لم يتم وضع لوائح مشتركة يصوتون له في الشوط الثاني.. هذا فيما يخص الانتخابات، وفيما يخص الحكومة ينتمون إلى الحكومة ويستفيدون من مكاسب؛ سواء أكانت سياسية أم مادية بحتة.. ونحن -والجميع يشهد بذلك- موقفنا في الانتخابات كان واضحا؛ وفي الانتخابات التي شاركت فيها المعارضة سنة 2001 كان موقفنا هو الطلب من أحزاب المعارضة -خاصة "العمل من أجل التغيير"- وتكتل القوى الديمقراطية والجبهة الشعبية.. فهذه كانت أهم الأحزاب من الناحية الانتخابية؛ طلبنا منهم أن نجتمع ما دمنا مشاركين جميعا؛ وأن توحد المعارضة لوائحها في البلديات وفي النيابيات، وكل من الأحزاب الثلاثة فضل أن يجرب خطه بمفرده، هذه هي عبارتهم، وعند ما جرى الشوط الأول وكانت أحزاب المعارضة جميعا مضطرة إلى الذهاب إلى الشوط الثاني أعدنا الكرة وجمعناهم في مكتبنا وطلبنا منهم أن نوحد الجهود؛ وفعلا في مكتبنا قرروا أن يصوتوا للوائح المعارضة جميعا؛ أي أن يعطي كل حزب معارض -في موقع لا يذهب فيه إلى الشوط الثاني- أصواته لحزب المعارضة الذي يذهب إلى الشوط الثاني وتم تطبيق هذا الإجراء؛ وكنا أقل المستفيدين منه لأن الحزبين الأساسين اللذين كانا في الشوط الثاني كانا في انواكشوط؛ وهما حزب تكتل القوى الديمقراطية والعمل من أجل التغيير، وكانا أكثر المستفيدين من أصواتنا، فنحن لم نكن في الشوط الثاني في انواكشوط؛ بل إننا كنا في بوكي وباركيول وكوركول؛ وهناك لا وجود لأي حزب من أحزاب المعارضة؛ باستثناء العمل من أجل التغيير الموجود في بوكي وحدها؛ وكانت النتيجة أن أحزاب المعارضة استفادت من هذا التنسيق الذي باردتا بطرحه.. هذا جواب على سؤال: أين نحن، أفي المعارضة أم في صف النظام.
وفيما يخص المنافع التي يكتسبها حلفاء النظام فنحن لسنا في حكومة النظام، ولا نستفيد منه مكاسب مادية، فأنا أسكن في حي "كرفور" في بيت صغير، ورئيس الحزب -محمد ولد مولود- يسكن في منزل متواضع في تفرغ زينة، وكلنا في حالة لا توحي بأنه يستفيد من النظام لسنا موظفين لديه، وليست لنا منافع مادية من طرفه؛ وبالتالي فلا يمكن القول إننا موالون له، فالموالاة لا بد لها من ثمن؛ إما سياسي وإما مادي، ونحن لا نتمتع بأي من هذين الثمنين.
أما فيما يخص كوننا دعاة الحوار مع النظام فهذا الاتهام صحيح؛ ولكن من الذي لا يدعو للحوار؟ صحيح أن المعارضة -في فترة من الفترات- كانت تدعو إلى المجابهة بعد انتخابات 92 تحت صدمة الهزيمة التي وقعنا فيها آنذاك -والتي لم نكن نجد لها مبررا- مما اضطرنا إلى انتهاج خط مقاطعة الانتخابات النيابية 1992 ثم اتخذنا سياسة المجابهة والمسيرات؛ وعند ما جاءت انتخابات 1994 وخضناها وجدنا أن الاستراتيجية التي انتهجناها لم تكن سليمة؛ لأننا في انتخابات 1992 حصلنا على نسبة 32% بينما في انتخابات 94 حصلنا على 17% وبالتالي كان تفسيرنا أن هذه الاستراتيجية غير سليمة، وأن الجماهير لا يمكن أن تتحمل المجابهة والمقاطعة. وبالتالي قرر اتحاد القوى الديمقراطية أن يدعو إلى الحوار، ولكن لم نكن متفقين على طريقة الحوار؛ فبعضنا يرى أنه يكفي أن نعلن نيتنا للحوار؛ مع مواصلة المجابهة والمقاطعة؛ أما نحن فنرى أن الحوار سياسة تختلف عن الاستراتيجية التي كنا نتبناها؛ لأنه يتطلب خطابا جديدا، وأسلوبا جديدا.. هدفه اللقاء مع النظام، ومحاورته، لحل المشكلات التي تعوق تحسين المسلسل الديمقراطي، وتسهيل التبادل على السلطة بالطرق السلمية، وأدى هذا في النهاية -من بين أمور أخرى- إلى خلاف شديد داخل اتحاد القوى الديمقراطية/عهد جديد وهو ما قاد في النهاية إلى انفصالنا عن ذلك الحزب، وأقمنا حزبا هو الآن اتحاد قوى التقدم، يتبنى سياسة الحوار مع النظام؛ ومنذ 98 ونحن نمارس النقاشات واللقاءات مع النظام، وكان البعض يقول إننا لا نريد الحوار، وإن ما نقدم عليه هو مجرد خطوة للانتماء إلى الأغلبية الرئاسية؛ ولكن الذين كانوا يتهموننا بالهرولة نحو النظام في الطرف الآخر من المعارضة ذهب أغلبهم إلى النظام؛ وهم الآن في الحزب الجمهوري؛ ونحن مازلنا -منذ ذلك التاريخ- بنفس المسافة التي كنا عليها من النظام..
موقعنا في المعارضة؛ وندعو إلى الحوار؛ ونحاور.. ولكن أقدامنا ثابتة في ربوع المعارضة؛ ولن نتزحزح عنها. اللهم إلا إذا تم اتفاق بين جميع مكونات المعارضة والنظام على تشكيل حكومة وطنية، وهذا طرح آخر؛ ولكن من أجل الوضوح فنحن لسنا ضد أن تتفق المعارضة والنظام على برنامج مرحلي لتحسين الديمقراطية والشفافية وتسهيل التبادل السلمي للحكم.. ومن أجل تطبيق هذا البرنامج لا نعارض أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية تتكلف -فقط- بتطبيقه؛ لكن ما نراه الآن هو أن تلتقي الحكومة والمعارضة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة.
السفير العدد 119 الصادر بتاريخ 31 مايو 2005