مياه انواكشوط: بين علف الحمير.. وتهالك الحنفيات! | صحيفة السفير

مياه انواكشوط: بين علف الحمير.. وتهالك الحنفيات!

خميس, 29/12/2016 - 13:40

تعيش العاصمة انواكشوط هذه الأيام على وقع سلسلة متتالية من المشكلات جسدت وجها كارثيا لما عليه الأحوال المعيشية في هذه المدينة الكبيرة والحيوية.

فإلى جانب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والارتفاع الصاروخي للأسعار الذي يرهق كاهل المواطن المسكين تأتي صعوبة الحصول على الماء الشروب لتكون رصاصة الرحمة التي يطلقها باعة المياه المتجولون على المواطن المسكين؛ وبذلك تكتمل أوتار معزوفة الألم والحرمان التي يعزفها كل مواطن فقير في بلد العجائب المحكوم بالمقولة الشهيرة "بلد غني وشعب فقير لسوء التسيير".

انطلاقا من ضرورة وضع الجهات المعنية في الصورة الحقيقة لما يعانيه المواطن من مشكلات جمة ولما يبذله من جهود مضاعفة في سبيل للحصول على برميل ماء، أو حتى قنينة بلاستيك من فئة 20 لترا لمن لا يملك القدرة على شراء برميل تجاوز سعره سعر برميل الذهب الأسود في البرصات العالمية بأربعة أضعاف إن لم نقل خمسة..

وإيمانا بحق المواطن في إيصال معاناته -على الأقل- إلى تلك السلطات المعنية التي انتخبها لحل مشكلاته العالقة بعيدا عن الخطابات والمزايدات قمنا بإجراء مسح شامل للخزانات والحنفيات المترامية هنا وهناك في مقاطعة تيارت للوقوف على جذور الأزمة ومدى مسؤولية كل طرف مشارك.

فكان أن بدأنا بالخزانات الأصلية:

1. خزان امگيزير رقم (2) الواقع بجانب طريق الحي الساكن.

2. خزان تورجه: الواقع عند تقاطع الطرق الرابط بين تيارت ودار النعيم.

3. خزان الطين الواقع في امگيزيره (2)

4. الخزان الواقع خلف ثانوية تيارت؛ والذي توجد إلى جانبه عدة خزانات أخرى على نفس الامتداد.

5. خزان فاطمة بنت البو الواقع في امگيزيره (1) 

المواطن تحت رحمة أصحاب العربات

لقد أكد لنا جميع ملاك ومسيري هذه الخزانات ثبات أسعار برميل الماء لدى الخزان طوال السنة وتحت جميع الظروف بسعر 50 أوقية للبرميل الواحد.

وأن كميات المياه المتدفقة من الشبكة في تلك الخزانات تشهد تحسنا نوعيا يومي الاثنين والأربعاء من كل أسبوع، فيما تبقى دون المستوى المطلوب بقية الأيام، وأن معدل العربات التي تنقل المياه إلى الأحياء يتراوح بين 70 و100 عند كل خزان، تبدأ الأعمال الحثيث ضمن خطة الأول فالأول منذ ساعات الفجر الأولى وإلى غاية الثامنة مساء بشكل يومي.

وقد أعرب أصحاب تلك العربات عن امتعاضهم من رمي المسؤولية في التلاعب بالأسعار على عواتقهم مبررين ذلك بندرة المياه في الخزانات عموما وبارتفاع سعر خنشة "ركل" التي يعلف بها الحمار؛ حيث وصلت 3700 أوقية في حين يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد 150 أوقية بدلا من 80 أوقية في السابق؛ وهو ما يجعل البيع بسعر متدن مسألة غير معقولة في ظل غلاء العلف والجهد العضلي المبذول من طرفهم لاستخراج المياه من الخزان.

حنفيات الدمج: أموال مهدورة وحنفيات مهجورة

تتناثر حنفيات الدمج هنا وهناك في أنحاء المقاطعة كما هي حالة الخزانات الأهلية التي يكسوها الغبار والإهمال وتحفها أكوام القمامة في بعض الأحيان ويلفها النسيان وتلعب بها أيضا أيدي الخراب في أحيان أخرى حيث أصبحت مأوى لبائعات الخضروات أو بائعي اللحوم كما هو حال الحنفية رقم (1102) الواقعة قبالة سمعة ولد أمم على الطريق العام، وليست الحنفية رقم (1103) بأحسن حال من سابقتها؛ إذ أصبحت مكبا للقمامة وهي الواقعة بجوار حائط ملعب المقاطعة؛ فيما تعمل حنفية الدمج رقم (1101) الواقعة إلى الشمال من مستشفى المقاطعة بطاقة ضعيفة لا تتجاوز 20 عربة يوميا في أحسن الأحوال.

أما الحنفية رقم (1104) الواقعة على الشارع المؤدي إلى صيدلية الجزيرة القادم من طرف الحي الساكن فحدث ولا حرج.. نوافذ محطمة ومعدات معطلة وخزان تنخره العاديات.. الحنفية باختصار: خراب وأنقاض بناء.

وليست الحنفية رقم (1402) المتربعة عند ناصية الطريق العام قرب مخبزة ولد سبرو سوى هيكل زاهي الألوان بفعل الترميمات المتتالية دون مضمون؛ ذلك أن الماء هجرها منذ زمن بعيد ومواسير الحنفيات المثبتة في الجدار باتت في حكم خبر كان.

ولعل الحنفية رقم (05) الواقعة خلف ثانوية تيارت أهدى سبيلا لما تقدمه من خدمة متواضعة. تتوفر المياه في الخزان التابع لها؛ وهو أمر نادر الحدوث حيث تقدر طاقتها الإجمالية بـ25 طنا فيما لا يتجاوز كمية المياه المتحصل عليها 2- 5 أطنان يوميا في أحسن الأحوال.

هذه إذن هي الوضعية العامة للحنفيات في المقاطعة (تيارت) في ظل غياب تام للمسيرين من حملة الشهادات الذين منحوها أصلا لمكافحة البطالة وأداء واجب الخدمة للمجتمع فيما تظل مياه الخزانات الأهلية بيد ملاك خصوصيين.

فأين الهيئات المنتخبة؟

وما هو دور الهيئة الحضرية للمدنية في محاربة هذه الوضعية وإيجاد الحلول الناجعة لها؟

وماذا عن الجهود المبذولة حتى الآن؟

أزمات وأسباب

لإنارة الرأي العام حول ما يمكن أن تقوم به السلطات المنتخبة في المقاطعة كان لنا لقاء مع النائب الثالث لعمدة تيارت محمد يسلم ولد أبده وهو مكلف بالشؤون الاجتماعية والثقافية والإدارية والرياضية الذي قال:

تظل الجهود المبذولة لحل المشكل جهودا غير كافية لأسباب عديد من أهمها:

1- عدم توفر البلدية على صهاريج خاصة بها تخولها التدخل السريع في أحياء المقاطعة في أوقات الأزمات الحادة.

2- وجود مضخة معطلة فنيا؛ وهي نتاج التعاون الموريتاني الفرنسي.

3- بيع المضخة الرئيسية للمياه في العاصمة؛ والواقعة في مقاطعة لكصر لأحد رجل الأعمال من طرف المجموعة الحضرية لمدينة انواكشوط لمدة 20 سنة، مع توفير 24 م³ يوميا من المياه بسعر مخفض يبلغ 500 للمتر المكعب للبلديات المحلية وهو ما لا يغطي حاجيات الشرب في المقاطعات فيما تظل الكمية المتبقية بيد رجل الأعمال؛ وبالتالي فهي مضخة خصوصية تجارية لديها زبناؤها.

التدخلات الخجولة للبلدية

وتتلخص حسبما أدلى به المسؤول الآنف الذكر في:

تزويد خزانات مساجد مقاطعة بشكل مجاني
توجيه المواطن إلى حاكم المقاطعة لتسهيل إجراءات الحصول على وصل لصهريج المياه لدى شركة S.N.D.E.
جهود ذاتية لعمدة تيارت لتوزيع المياه بسيارته الرسمية في المناطق النائية من المقاطعة وهو نشاط شبه يومي

المواطن يلقى باللائمة على المسؤولين المحليين

المواطن محمد سالم ولد سيدي المختار، تحدث لـ"السفير" عن ضرورة تحلي المسؤولين بروح الوطنية والتضحية بالوقت وبالراحة الجسدية، سبيلا لخدمة المواطن الذي كلفهم بمهمة النيابة عنه في تصريف شؤونه العامة؛ بدل الإهمال واللامبالاة التي يعيشها عند محاولته الحصول على خدمات هذا المرفق العمومي أو ذاك؛ فالنظرة النفعية لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على كل الجوانب؛ مع غياب التنسيق بين الجهات المنتخبة وبعض نظرائهم في المدن الشقيقة والصديقة للحصول على آليات وصهاريج تمكن البلديات من إيجاد وسيلة للتدخل، بدل التفرج على أزمات المواطن بدواعي انعدام الوسائل أو محدوديتها.

هذا وقد استشاط أحد المواطنين غضبا مبتكرا طريقة جديدة كلية بحل هذه المعضلة من جذورها وهي العمل على تربية وتنمية مزيد من الحمير لسد حاجيات المقاطعة من المياه بدل البحث عن وسائل عصرية ليس في الإمكان الحصول عليها في الوقت المنظور وذلك أضعف الإيمان.

ولقد كان من المأمول لدى غالبية مواطني المقاطعة الذين أدلوا بأصواتهم للمعارضة أن يكون وجودها على رأس البلدية عونا لهم على حل كافة القضايا المطروحة في ساحة المقاطعة بدءا بإزالة أكوام القمامات المترامية هنا وهناك؛ مرور بسهولة الحصول على الماء الشروب، وانتهاء بتنظيم كافة النشاطات المدرة للدخل في المقاطعة؛ وهو ما لم يجد له المواطن أي أثر يذكر حتى الآن.

فصار يردد في تعجب: ما أشبه الليلة بالبارحة!

أحد طاقم "السفير" لفت الانتباه إلى تخلف الخدمات الاجتماعية بالعاصمة من خلال دور الحمير، متسائلا: ماذا يحدث لو حلت كارثة بالحمير فأبادتها.. وقتها كم سيعيش من سكان عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟!

 

السفير؛ العدد: 537 الصادر بتاريخ: 18 يونيو 2007