مع بداية عام جديد (2017) ونهاية 2016، سيكون من الأفضل تلخيص أهم ما شهدته أفريقيا (جنوب الصحراء) من نجاحات واضطرابات, والتطرق لأهم المحطات المضيئة منها والغامضة.
1- شهدت إفريقيا الوسطى صراعات دامية عصفت بهذا البلد الواقع وسط إفريقيا، منذ الإطاحة في 2013، برئيسها فرانسوا بوزيزيه. لكنها خمدت إثر انتخاب فوستن تواديرا، في فبراير 2016، حيث فاز في الانتخابات بنسبة 62.69 % من الأصوات مقابل 37.31 % لمنافسه أنيسيه جورج دولوغيلي.
وساهم هذا المسار الانتقالي الناجح في أن تحصل إفريقيا الوسطى على مليارين و268 مليون دولار في اجتماع بالعاصمة البلجيكية بروكسل، لتمويل خطتها الممتدة على 3 سنوات لـ”النهوض والتعزيز”. كما أن هذا الانتقال السياسي تمكّن من خفض منسوب التوتّر وخلق مقاربة سياسية وأمنية لجل الأطراف السياسية في البلاد.
2- وجرى في دولة بنين انتقال سلمي آخر، حيث فاز رجل الأعمال باتريس تالون، في انتخابات الرئاسة التي أجريت في مارس 2016، بنسبة 65.37 % من الأصوات مقابل 34.63 % لمنافسه رئيس الوزراء ومرشح الحزب الحاكم، ليونيل زينسو. أما الرئيس السابق بوني يايي، فأعلن عدم ترشحه للاقتراع في أعقاب ولايتين متتاليتين، لتنال بنين، هذا البلد الصغير الواقع غرب إفريقيا عن جدارة لقب “معقل الديمقراطية الانتخابية”.
3- وتجري في بوروندي أزمة سياسية وأمنية تهز البلاد منذ أبريل 2015، واستمرت مع مطلع 2016، لتزيد من ضبابية الوضع بسبب “تشبّث” الرئيس بيير نكورونزيزا بالسلطة لفوزه في الانتخابات الأخيرة, وهي خطوة تعتبرها المعارضة بـ “غير دستورية”. ورغم إعادة انتخاب نكورونزيزا، في يوليو 2015، إلا أن الأزمة لم تجد حلا يذكر بالرغم من الضغط الذي مارسه المجتمع الدولي في التوصّل إلى حلّ نهائي.
وتواصل المعارضة وجزء كبير من السكان إصرارهم برحيل نكورونزيزا، متحدّين الممارسات التي تستهدفهم من قبل النظام. ومن الجدير أن أعمال العنف التي اندلعت منذ نحو عام و8 أشهر أسفرت عن مقتل حوالي ألف بوروندي، وأجبرت أكثر من 310 ألف آخرين على الفرار بحثا عن ملجأ آمن في دول الجوار، وفق تقرير الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان الصادر في نوفمبر 2016.
4- فاز في الكونغو برازافيل, الرئيس دينيس ساسو نغيسو، في أعقاب استفتاء دستوري مثير للجدل، منذ الجولة الأولى، بالانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 مارس 2016، بنسبة 60.39 % من أصوات الناخبين.
وواجه نغيسو، الذي مان في عامه الـ 32 في الحكم، إثر تنصيبه من جديد على رأس بلاده، معارضة ضعيفة لكنها نجحت في الاستماتة في المطالبة برحيله، لتجبره على مواجهة وضع يحكمه التوتر وخصوصا في منطقة “بول” جنوبي البلا. وصارت هذه المنطقة مستهدفة بهجمات مسلّحة متواترة، أوقعت العديد من القتلى وأجبرت آخرين على النزوح.
5- أعلنت كل من بوروندي, جنوب أفريقيا وغامبيا انسحاب عضويتهم من المحكمة الجنائية الدولية. يأتي هذا القرار بعد عام من توجيه “الجنائية الدولية” انتقادها إلى جنوب أفريقيا لفشلها في اعتقال وتسليم المطلوبين (عمر البشير) من قبل المحكمة, واتهامها من قبل غامبيا بأنها محكمة تستهدف ذوي “اليشرة الملونة” .
6- اندلع في الغابون اضطرابا سياسيا على خلفية رفض المعارض جان بينغ، نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 27 أغسطس، وأدت لإعادة انتخاب الرئيس علي بونغو بنسبة 50.66 % من الأصوات. وأشارت المعارضة إلى حدوث تزوير في نتائج التصويت، خصوصا في محافظة “أوغوي العليا” معقل عرقية “تيكي” التي ينحدر منها بونغو. وبحسب النتائج الرسمية، حصد الرئيس علي بونغو في هذه المحافظة 95.46 % من الأصوات، بينما أكدت العديد من المنظمات ومراقبي المجتمع الدولي أن عملية الانتخابات غير شفافة، وهو ما نفاه الرئيس الذي أعيد انتخابه لولاية جديدة تدوم 7 سنوات.
ما زال هذا الوضع السياسي جاريا, وفي الجمعة الماضي، دعا المعارض بينغ، شرطة البلاد والجيش الغابونيين إلى الإنضمام إليه في معركته ضد إعادة انتخاب بونغو، رئيسا للبلاد.
7- وفي غامبيا استكمل الرئيس يحي جامع عامه الـ 22 في الحكم، واعترف في البداية بهزيمته أمام خصمه المعارض أداما بارو، المنتخب في الأوّل من ديسمبر 2016، بنسبة 45.54 % من الأصوات، غير أنه تراجع عن القبول بنتائج الانتخابات، بدعوى وجود “خروقات غير مقبولة” شابت العملية الانتخابية. ومع أن موقف “جامع”، لاقى إدانات دولية واسعة، خصوصا من جانب الاتحاد الإفريقي و”المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا“، وممثل الأمم المتحدة في غرب إفريقيا، إلا أنه لا يزال مصرّا بموقفه.
وهناك احتمال أن موقف يحيى جامع هذا قد يدفع المنظمات الإقليمية إلى اللجوء إلى التدخّل العسكري لإجباره على التخلي عن الحكم. ومع ذلك فإنه من خلال تصريحاته المتلفزة في الجمعة الماضي يؤكّد أن “تدخّل القوى الأجنبية لن يغيّر شيئا في قراري”, مشددا على أنه “لن يتسامح مع أي احتجاج في الشوارع”، ومنع طائرة كانت تقل وفدا من “المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا” من الهبوط بمطار العاصمة بانغول.
8- أما في غانا, فاز زعيم المعارضة نانا أكوفو- أدودو، بالانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 ديسمبر، بنسبة 53.3 % من الأصوات، ليطيح بذلك خصمه الرئيس المنتهية ولايته جون دراماني ماهاما. وكما قال منجي شيتو، المتخصص في شؤون إفريقيا جنوب الصحراء، في تصريح لصحيفة لوموند الفرنسية، إنّ “الغانيين يعتبرون، لمرة أخرى، أن بطاقات التصويت وسيلة فعّالة لقول وإسماع وإظهار سخطهم”.
9- واندلعت بالكونغو الديمقراطية في الـ 19 من ديسمبر، الاحتجاجات في عدد من مدن البلاد، رفضا ببقاء الرئيس جوزيف كابيلا، في الحكم عقب انتهاء ولايته الدستورية الثانية والأخيرة. فالمعارضة التي يتزعمها إتيان تشيسيكيدي، والحاكم السابق لمحافظة “كاتانغا” (جنوب)، ترفض إرجاء الانتخابات إلى أبريل 2018، معتبرة أن هذه الخطوة المنبثقة عن الحوار السياسي في أكتوبر تدعم “محاولات” كابيلا، من أجل البقاء في الحكم. ووفق الأمم المتحدة, أسفرت الاشتباكات بين محتجّين وقوات الأمن عن مقتل 56 شخص. وبين رئيس تلاحقه اتهامات بـ “المناورة” لتمديد ولايته المنتهية، ومعارضة متشبّثة برحيله، تتواصل المفاوضات بحثا عن التهدئة.
وقد أعلن منذ أيام عن التوصل لاتفاق بين الأطراف السياسية وأن الرئيس كابيلا وافق على التنحي, إلا أن الوضع غير مستقر في هذه الدولة الواقعة في منطقة البحيرات العظمى، والتي قال عنها عالم الاجتماع والكاتب الفرنسي فرانز فانون، إن “إفريقيا تتخذ شكل بندقية زنادها في الكونغو الديمقراطية”.
افريقيا عربي