(أ ف ب) – بعد ثلاثة أشهر من تكليف الملك محمد السادس رئيس الوزراء المغربي تشكيل حكومة جديدة واثر مشاورات ماراتونية، عادت الأمور إلى الصفر مع اعلان عبد الإله ابن كيران الأحد وقف المفاوضات التي استأنفها الأسبوع الماضي بعد توقف دام أسابيع.
والأزمة الحكومية التي يمر بها المغرب حاليا غير مسبوقة منذ قرابة 20 سنة من حكم الملك محمد السادس (1999)، كما أن المراقبين يعتبرون ان التأخير الحاصل هو الأطول في تاريخ البلاد منذ استقلالها في 1956.
وبعد فوز العدالة والتنمية الإسلامي بانتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كلف الملك عبد الإله ابن كيران بتشكيل حكومة جديدة للمرة الثانية منذ تبني دستور جديد صيف 2011 في خضم ما يسمى “الربيع العربي“.
وتكونت الأغلبية الحكومية السابقة من أربعة أحزاب ووصف التحالف حينها ب”غير المتجانس″ حيث حدثت صراعات داخل الحكومة وتصريحات متناقضة، وشهدت النسخة الأولى انسحاب حزب الاستقلال المحافظ واستبداله بحزب التجمع الوطني للأحرار اللبرالي.
وعقب تكليف الملك كثف ابن كيران لقاءاته التشاورية مع الأحزاب لتشكيل أغلبية برلمانية لكنه لم يستطع حتى الآن بلوغ عتبة 198 مقعدا من أصل 395 المكونة لمقاعد مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).
وفي بداية المفاوضات بدت الأمور سهلة بالنسبة لابن كيران خاصة بعد إعلان حزب الأصالة والمعاصرة (102 مقاعد) قراره النهائي بعدم التحالف، لكن في تغير مفاجئ تحول الأمر إلى مواجهة وتقاطب بين العدالة والتنمية (125 مقعدا) والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا).
وعقب الانتخابات اختار هذا الحزب رئيسا جديدا هو عزيز أخنوش وزير الزراعة والملياردير المعروف الذي ظهر إلى جانب الملك في أغلب جولاته الرسمية، وكان المسؤول الحزبي الوحيد الذي قبل الملك دعوته الى الإفطار خلال شهر رمضان الماضي.
وأقنع أخنوش ثلاثة أحزاب هي الحركة الشعبية (27 مقعدا) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعدا) والاتحاد الدستوري (19 مقعدا) لتصطف إلى جانبه من أجل التفاوض مع ابن كيران، مشترطة عليه إقصاء حزب الاستقلال من التحالف (46 مقعدا).
وقاوم ابن كيران لأسابيع طويلة شرط إقصاء حزب الاستقلال من التحالف لكنه استسلم في الأخير لهذا الشرط بعد التصريحات الصادرة عن أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط.
وتسبب شباط في “سوء فهم” بين الرباط ونواكشوط حينما قال خلال اجتماع حزبي عن تاريخ استقلال المغرب والمناطق التي فقدها بسبب الاستعمار، ان “موريتانيا أصبحت دولة وهي أراض مغربية محضة“.
وفيما لم تنفع اعتذارات شباط وحزبه لموريتانيا والرأي العام في المغرب، خرجت المفاوضات العالقة منذ أسابيع من النفق الضيق حينما عاد أخنوش والأحزاب الثلاثة الأسبوع الماضي للجلوس إلى طاولة المفاوضات وسط ارتياح لاقصاء حزب الاستقلال بسبب تصريحات أمينه العام.
– تدخل القصر الملكي–
وأبدى حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية موافقتهما المبدئية لتشكيل الحكومة “على أساس الأغلبية الحكومية المنصرمة”، لكن كل الآمال لإنهاء الأزمة الحكومية انهارت بعد بضعة أيام حينما طالب الأحرار من جديد بإشراك الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي في مشاورات الحكومة، وهو ما لم يرق لابن كيران الذي أعلن وقف التفاوض مساء الأحد.
ويوضح محمد الناجي أستاذ علم السياسية في كلية الحقوق بالعاصمة الرباط لفرانس برس “يبدو هدف أخنوش واضحا حيث يريد حرمان ابن كيران من أي هامش للمناورة“.
من جانبه يقول محمد مدني أستاذ علم السياسة في الكلية نفسها “الهدف النهائي من كل هذا هو إضعاف حزب العدالة والتنمية الذي خرج فائزا للمرة الثانية في الانتخابات“.
ويضيف مدني “أخنوش لا يقوم بما يقوم به مع ابن كيران بشكل مستقل، بل إنه الناطق الرسمي باسم مراكز السلطة (…) والهدف هو القول إن نتائج الانتخابات ليس لها وزن، بل القرب من القصر الملكي هو الذي يحسم الأمور في نهاية المطاف“.
وبوقف المفاوضات كما يوضح مدني “يكون رئيس الحكومة قد غير التكتيك لرفع المشكل إلى مستوى أعلى” من التفاوض الحزبي لتشكيل الحكومة.
ويعتبر الملك الحكم وفوق الاحزاب، وقد يضطر الى التدخل للتحكيم بين الفرقاء السياسيين في الأمور السياسية العالقة، وقد سبق له أن قال في خطاب مطلع تشرين الثاني/نوفمبر أن “تشكيل الحكومة المقبلة يجب الا يكون مسألة رياضيات” او لتقاسم “غنيمة انتخابية“.
ويبقى سيناريو اللجوء إلى انتخابات برلمانية جديدة، حسب الباحث في الشؤون السياسية عبد الله الترابي، بعيدا بسبب الكلفة السياسية والمادية للانتخابات، كما أن تعيين رئس حكومة آخر “سيكون مصدرا للتوتر” خاصة مع العدالة والتنمية الذي يملك شعبية مهمة.
ويبقى تدخل الملك حسب المصدر نفسه ليطلب من الأحزاب استئناف المشاورات وفض الأمور العالقة السيناريو الأقرب إلى التحقق، ومن المنتظر أن ينعقد مجلس وزاري اليوم الثلاثاء برئاسة الملك حسب الصحافة المحلية، وقد يفضي إلى هذا السيناريو.