جذبنى مصطلح «الأديان التوفيقية»، ودفعنى للبحث عما يرمز إليه، فوجدته مزيجا من الوثنية والديانات السماوية. ولنأخذ السانتيريا مثالا، فهو خليط من الوثنية والمسيحية الكاثوليكية، وديانات قبائل الهنود الحمر، وبعض القبائل الأفريقية، ويطلق عليها فى كوبا «أباكوا»، وفى هاييتى «فودو»، وفى البرازيل «إمباندا وماكوميا»، إضافة لوجوده فى بعض المدن الأمريكية مثل واشطن وميامى ودينفر وتوسكون، ومايشد الانتباه إلى السانتيريا حالة التصوف والغرابة التى تحيط به.
حيث أصبحت الآن تمارس كطقوس دنيوية وثقافية أكثر منها كدين، وتمثلت فى الموسيقى والأدب اللاتينى الشعبي.
فى سبعينيات القرت الثامن عشر وأربعينيات القرن التاسع عشر قام الأوروبيون بخطف الأفارقة من بلادهم لتسخيرهم فى العمل كعبيد فى أمريكا، وكان معظم الأفارقة لديهم ديانتهم الخاصة التى تقدس أرواح الأجداد وعبادة قوى الطبيعة، وكان لديهم إيمان بالأرواح الشريرة والتضحية بالحيوانات والبشر أحيانا، وأرغم أولئك العبيد (اليوروبيين) على ترك ديانتهم، واعتناق المسيحية التى كان يدين بها الأوروبيون، إضافة لاحتكاكهم بسكان أمريكا الأصليين، خاصة القبائل القاطنة جزر الكاريبى التى أشيع أنها تأكل لحوم البشر، ونتيجة لإرغامهم على ترك عبادة ألهتهم (الأوريشا orisha) ابتدعوا دين جديد يجمع الدينين معا، فعبدوا آلهتهم على هيئة قديسيين مسيحيين، وبقيت شعائرهم كما هي، ما مكنهم من أداء طقوس ديانتهم القديمة، وتجنب غضب الأوروبيين الذين اعتقدوا أن احتفالاتهم كانت لأجل القديسين المسيحيين، ويذكر «روجيه باستيد» أن الكنيسة الكاثوليكية عاملت هؤلاء العبيد الأفارقة باعتبارهم أطفالا صغارا حاولت اجتذابهم بالموسيقى والرقص والمراكز الشرفية، وقالوا «إنه لاينبغى إجبارهم على التخلى عن عاداتهم وتقاليدهم، بل ينبغى تقييم هذه العادات وإستخدام المقبول منها كأساس لمساعدتهم على نيل الإيمان الحقيقي»، لذلك تداخلت عادات أفريقية كثيرة فى الطابع المسيحى فى العديد من الأخويات الدينية التى بدأت فى العصر الوسيط فى أوروبا. وصبغت الأديان الكالودنية والماكوميا والأوبيا وغيرها من الديانات الأفريقية القديمة الطقوس الدينية الكاثوليكية بممارسات أفريقية، لذلك قامت الكنيسة الكاثوليكية فى أمريكا اللاتينية فى بادئ الأمر بمنع هذه الممارسات الأفريقية، فاضطر العبيد لممارسة شعائر السانتيريا خفية لفترة طويلة، لكن الكنيسة اعترفت بهذا الدمج الذى نتج عنه مايسمى بالدين التوفيقي. ويطلق على الأشخاص الذين يمارسون شعائر السانتيريا «سانتيروس»، وهم يعبدون «الأوريشا»، واعتقادهم أنها كائنات خارقة، وهى عندهم الإله خالق البشرية والقديسين، وأهم ما يميزها القدرة على التحكم فى اهتمامات وقوة البشر، وتمثيل قوى الطبيعية، ويقوم كهنة السانتيريا بنقل مشيئة الآلهة، التى تتحكم فى العباد وتجعل ألسنتهم تنطق بما تريده، ويمكنهم التقرب من الآلهة بالصلوات، والموسيقي، والأضحيات، والمذابح تعد ركنا أساسيا فى العبادة، ويخصصون لها مكانا مناسبا فى منازلهم ويضعون فيه الأزهار والكعك والسيجار، لكى يحصلوا على رضاء الآلهة. والسانتيريا تعامل أعضاؤها على أنهم جزء من عائلة كبيرة، وتتعدد المراحل فيها وتتنوع الآلهة، فيتم تحديد الإله المفضل، ومراسم التدرج فى الجماعة تبدأ بتلقى العقود التى تنتهى بالعقد (سنيتو) التى تدل على الدخول فى الجماعة، والعهد والالتزام, فأوريشا يعهد بحماية الإنسان على أن يلتزم العابد بخدمته. ويجب أن يقوم الإنسان بالاستحمام للتطهر، وارتداء ملابس بيضاء تيمنا بحياة جديدة، والمياه يرمز لها بالسائل الأمنيونى عند الولادة، وبعد ذلك تقدم الأضحيات الحيوانية، والتنبؤ بمستقبل العابد وإعطائه بعض التعليمات وموسيقى باستخدام الطبول والرقصات فهى تعجل بدخول الفرد فى اللاوعي، ليصل إلى النشوة، لينزل القديس من رأسه ويتحكم فى الشخص الجديد وحركاته (تشبه بالزار)، وفى أعياد الميلاد والأعراس تقدم الأضحيات.
ويذكر أتباع السانتيريا أمثلة من الإنجيل تتعلق بالتضحيات التى قدمها الشعب الإسرائيلى إلى إلهه، فسيدنا إبراهيم (عليه السلام) كاد يضحى بابنه ليحصل على رضاء إلهه، وفى كتاب اللاوين يوضح يهوه (من أسماء الله تعالى بالعبرية فى العهد القديم) لـ سيدنا موسى (عليه السلام) طريقةالأضحية: «1وَدَعَا الرَّبُّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ مِنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً:2كَلِّمْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ من الْبَهَائِمِ، فَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تُقَرِّبُونَ قَرَابِينَكُمْ.3إِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مُحْرَقَةً مِنَ الْبَقَرِ، فَذَكَرًا صَحِيحًا يُقَرِّبْهُ. إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يُقَدِّمُهُ لِلرِّضَا عَنْهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 4وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرَقَةِ، فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ.5وَيَذْبَحُ الْعِجْلَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيُقَرِّبُ بَنوُ هَارُونَ الْكَهَنَةُ الدَّمَ، وَيَرُشُّونَهُ مُسْتَدِيرًا عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِى لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ» (سفر اللاوين1 : 5)، وقدم يوسف النجار (خطيب السيدة مريم العذراء حسب انجيل لوقا)، يمامتين بعد ختان الصبى وتسميته يسوع حسب شريعة الرب، وبعد أربعين يوما من مولده صعدا به إلى أورشليم ليقدماه فى الهيكل وفق الشريعة اليهودية،22 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهِمَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَي، صَعِدَا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَرِّبَاهُ إِلَى يَهْوَهَ، 23 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِى شَرِيعَةِ يَهْوَهَ: كُلُّ ذَكَرٍ فَاتِحِ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِيَهْوَهَ,24 وَلِيُقَرِّبَا ذَبِيحَةً عَلَى حَسَبِ مَا قِيلَ فِى شَرِيعَةِ يَهْوَهَ: زَوْجَ تِرْغَلٍّ أَوْ فَرْخَيْ يَمَام« (لوقا 2: 22- 24)، وأخذ المسيح (عليه السلام) رغيفا فى العشاء الأخير، وطبقا للعهد الجديد هو عشاء عيد الفصح اليهودى التقليدى قبل أن يتم صلبه، وأخذ رغيفا من الخبز وباركه وأعطاه لتلاميذه وشبهه بجسده، وأخذ كأسا من مشروب الكرمة (خمر بلا كحول) وشبهه بدمه، ويعد هذا حدثا مهما فى المسيحية إذ أسس به يسوع القربان الأقدس فهو بذلك أشار إلى أهمية التضحية بالدم «26، وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ بَعْدُ، أَخَذَ يَسُوعُ رَغِيفًا، وَطَلَبَ بَرَكَةً ثُمَّ كَسَرَهُا، وأعْطَى لتَّلَامِيذَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا يُمَثِّلُ جَسَدِي».27 وَأَيْضًا، أَخَذَ كَأْسًا، وَشَكَرَ ثُمَّ أَعْطَاهُمْ، قَائِلًا: «اِشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ؛ 28 فَإِنَّ هذِهِ تُمَثِّل دَمِى الَّذِى لِلْعَهْدِالجديد, لَّذِى يُسْكَبُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِين لِمَغْفِرَةِ لْخَطَايَا». (متى 26: 26- 28)، ويذكر أتباع السانتيريا يوم الكفارة، أو يوم كفور، وهو أعظم أعياد إسرائيل وأقدسها ففى ذلك اليوم كان عليهم أن يصوموا من المساء للمساء ويقصد من وقت غروب الشمس إلى وقت غروب الشمس اليوم التالي، ويدخل رئيس الكهنة فقط إلى قدس الأقداس ليكفر عن خطاياه وخطايا شعبه وكان يجهز لذلك اليوم تجهيزات غير عادية وكان ينتهى ذلك اليوم بذبح وحرق مئات من الحيوانات والطيور. والأسفار المقدسة تنهى عن عبادة الأصنام، وعن كل ما يغضب الله، وأن يعبدوا الأب بالروح والحق كما أرسى قواعدها يسوع، «لِذلِكَ، يَا أَحِبَّائِي، هْرُبُوا مِنَ لصَّنَمِيَّةِ«. (كورنثوس 10: 14)، »23وَلكِنْ تَأْتِى لسَّاعَةُ، وَهِيَ لْآنَ، حِينَ لْعُبَّادُ لْحَقِيقِيُّونَ يَعْبُدُونَ لْآبَ بِالرُّوح لْحَقِّ , فَإِنَّ لْآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلَاءِ لِيَعْبُدُوهُ.24 اَللهُ رُوحٌ، وَلَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ لَا بُدَّ لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ بِلرُّوحِ وَلْحَقِّ (يوحنا 4 : 23 , 24) وكذلك الكتاب المقدس 19 فَأَعْمَالُ لْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ: اَلْعَهَارَةُ، لنَّجَاسَةُ، لْفُجُور،20 لصَّنَمِيَّةُ، مُمَارَسَةُ لْأَرْوَاحِيَّةِ،لْعَدَاوَاتُ، لنِّزَاعُ، لْغَيْرَةُ، نَوْبَاتُ لْغَضَبِ، لْمُخَاصَمَاتُ، لِنْقِسَامَاتُ، لْبِدَعُ، 21 لْحَسَدُ، حَفَلَاتُ لسُّكْرِ، لْعَرْبَدَةُ، وَمَا يُشْبِهُهَا. مِنْ جِهَةِ هذِهِ أَسْبِقُ فَأُحَذِّرُكُمْ، كَمَا سَبَقْتُ فَحَذَّرْتُكُمْ، أَنَّ لَّذِينَ يُمَارِسُون مِثْلَ هذِهِ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ لله».(غلاطية 5 : 19 21)
> المصادر: كتاب «عبادات الشيطان وسلطان القديسين» ـ حلمى القمص يعقوب .
الأهرام