خمسة أبواب تفتح لك الطريق إلى عقل أفريقيا وروحها. لكل باب منهم أربعة مقالات أو يزيد.خمسة أبواب هى محتوى كتاب «الثقافة والمثقفون فى أفريقيا»، يزيد الكتاب على مائتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط تأخذك بتوسط واعتدال إلى «عوالم الثفاقات الأفريقية» بحسب نص ما قاله مؤلف الكتاب «حلمى شعراوي»؛ الخبير بالشأن الأفريقى لأكثر نصف قرن من الوعى والإلمام والتفاعل المباشر.
ويأتى الكتاب متناغما مع حدثين جليلين: أولهما ثورة يناير التى بشرت بضرورة الانفتاح على أفريقيا، كونها العمق الاستراتيجى الذى لا بد من الانفتاح له وعليه. والحدث الثانى إعلان الأمم المتحدة أن هذا العقد الذى نحياه والممتد من عام 2015 إلى عام 2024 كعقد للمنحدرين من أصل أفريقى تحت شعار «المنحدرون من أصل أفريقي.. الاعتراف والعدالة والتنمية». فى المدخل التعريفى بموضوع الكتاب يؤكد الكاتب أن «المنتج الثقافى الأفريقي» كان أسبق إلى العالمية من «المنتج الثقافى العربي» لمن يتابع حركة الترجمة وأن المغنية الجنوب أفريقية «ماريام ماكيبا» التى غنت للثورة الجزائرية كانت أسبق إلى العوالم الثقافية المختلفة من أم كلثوم. لكأن الكاتب يقول لنا إن العرب أحوج إلى أفريقيا من حاجة أفريقيا إليهم. رؤيتنا إذن لماهية الثقافة الأفريقية تتسم بنوع من القصور، ذلك القصور الذى يختزل الثقافات الأفريقية - حسب وجهة نظر الكاتب- فى أعمال السحر والشعوذة وقصص الأطفال الساذجة، فى حين أن الثقافة الأفريقية أكثر عمقا وثراء وتشعبا فهى لا تقف عند حدود الدياسبورا فى الأمريكتين بل تسبق هذه الرؤية من خلال الملايين المستجلبة إلى العالم العربى فقدمت إلى الثقافة العربية «عنترة» و«الجاحظ»، وبلغة الأمم المتحدة «المنحدرون من أصل أفريقي»، وتتسع الرؤية لتشمل الزار الحبشى كشكل من أشكال الفولكلور والسلم الرباعى والخماسى وأثره فى الموسيقي؛ وانطلاقا نحو إسهامات مفكرى أفريقيا فى الحداثة والتنوير ككتابات مالك بن نبى وأميناتا تراورى وفاطمة المرنيسى ومن لف لفهم.
لعل أهم مقالة فى الكتاب والتى تدعونا لتمعن محتواها جيدا، المقالة الافتتاحية التى جاءت بعنوان «تفاعل الثقافات الأفريقية من الاستعمار للعولمة» والتى يقدم فيها رؤية مغايرة للصورة النمطية التى قدمها الرجل الأوروبى الأبيض، وتستعرض الثقافة الأفريقية فى إطار العلاقات العربية الأفريقية وفى سياق العولمة. والباب الذى يجب الوقوف أمامه ايضا بعنوان «إسلاميات أفريقية»، الذى يميز فيه بين «الإسلام فى أفريقيا» و«إسلام أفريقيا» وبين «الجهاديين» و«المجاهدين» فى محاولة للتمييز على مستوى المصطلح والمفهوم، ولم يغب عن صاحب الكتاب وضع هذه الاصطلاحات بين هلالين؛ متنقلا بين «حركة ازواد والطوارق فى مالى وبوكو حرام فى نيجيريا»، ومتسائلا عن تعثر حركة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية فى مصر. هذا بعد أن مر على حركات التحرر الوطنى الإسلامية كالثورة المهدية والتى وقفت فى وجه الاستعمار. وأحسن الكاتب صنعا بأن ذكر فى ثنايا هذا الباب المراجع التى اعتمد عليها غير زاعم أن الرؤى التى يعرضها نتيجة بحث أو تحرك ميدانى مباشر. والكتاب رغم أنه رائع فى موضوعه وتناوله له، به أخطاء طباعية وأكثرها وضوحا التى وردت فى صفحة حقوق النشر. الكتاب, صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وهى الحلقة الأولى من سلسلة تحمل عنوان «أفريقيات» والكتاب اختيار موفق وبداية مبشرة وواعدة ونتمنى أن تستمر وتبقى فى أعدادها القادمة بنفس القوة والزخم بعيدا عن أى اعتبارات قائمة على المجاملة.
الأهرام