احتضن فندق "الخاطر" بالعاصمة ندوة فكرية وسياسية تحت شعار "عودة المبعدين.. سبيل حل أم بداية تحد" شارك فيها ممثلون عن مختلف الفعاليات الفكرية والسياسية، وهيئات المجتمع المدني، في موريتانيا..
وتركزت الندوة المنظمة من طرف يومية "السفير حول أربعة محاور أساسية كان أولها بعنوان "قضية المبعدين ماهية المشكل.. أبعاده وانعكاساته" من خلال عرض قدمه باري زكريا، الناطق الرسمي باسم التجمع من أجل المساواة والتنمية.. وعقب عليه كل من الدكتور عبد الله العتيق ولد إياهي، والدكتور عبد السلام ولد حرمه، رئيس حزب الصواب..
وتناول المحور الثاني موضوع "دمج العائدين ورهانات المستقبل" من خلال عرض للدكتور محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم الذي عقب على محاضرته كل من المدير ولد بونا، الأمين العام المساعد للحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد، والدكتور الصوفي ولد الشيباني، أستاذ جامعي.
وتطرق المحور الثالث للندوة إلى موضوع "المبعدين من السنغال.. الوجه الآخر للمعاناة" الذي تناوله النائب محمد المختار ولد الزامل سفير موريتانيا في داكار أثناء أحداث 1989 في عرض عقب عليه كل من الأستاذ الشيخ سعد بوه كمرا والأستاذ المحامي محمدن ولد إشدو.
أما المحور الرابع فكان تحت عنوان "العودة.. مصالحة مع الذات أم تجذير للأزمة" من خلال عرض للكاتب الصحفي عبد الله ممادو با الذي عقب عليه كل من محفوظ ولد اعزيزي أمين عام الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي ومحمد الكوري ولد العربي، ناشط سياسي.
وشهدت الندوة مداخلات عديدة استمرت إلى غاية منتصف الليل؛ حيث تعاقب على المنبر سياسيون وحقوقيون وكتاب ومفكرون وصحفيون وأساتذة وطلاب.. مما أثرى الندوة وزاد من اتساع مواضيعها..
ومن بين من شاركوا بمداخلات في هذه الندوة كل من المهندس محمد محفوظ ولد إبراهيم، والكاتب الصحفي أحمدو ولد الوديعة، والنائب المصطفى ولد اعبيد الرحمن رئيس حزب التجديد الديمقراطي، والصحفي با آدما موسى، والساموري ولد بيه الأمين العام للكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا.. وآخرون..
السفير تبدأ اعتبارا من هذا العدد نشر جميع العروض والتعقيبات والمداخلات تباعا، بدءا بالعروض الأربعة الرئيسية التي ننشر ثلاثة منها في هذا العدد على أن ننشر العرض الرابع وجزءا من التعقيبات في عددنا ليوم غد بحول الله.
1. قضية المبعدين ماهية المشكل.. أبعاده وانعكاساته
باري زكرياء
في شهر إبريل سنة 1989 أدى حادث بسيط بين منم موريتاني ومزارعين سنغاليين إلى اندلاع أحداث دموية أفضت إلى مأساة إنسانية على ضفتي نهر السنغال. هناك قامت جموع هائجة بسفك دماء موريتانيين ونهب أموالهم ومضايقتهم دون أن تحرك الحكومة السنغالية ساكنا لحماية الموريتانيين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لشبكة التوزيع التجاري السنغالي.
استغلت الحكومة السنغالية الوضع في محاولة لتصدير مشكلاتها وشغل الرأي العام المحلي بالأزمة سعيا إلى امتصاص النقمة الداخلية المتصاعدة ومواجهة الضغوط السياسية والاجتماعية المتفاقمة.
وفي موريتانيا حدثت ردود أفعال الشارع السنغالي ووقوف الحكومة السنغالية موقف المتفرج حيال ما يحدث لرعايانا هناك؛ اندلعت أفعال مشابهة دون أن تحرك الحكومة ساكنا، مطلقة العنان للشارع في مظهر من مظاهر التسيب والانفلات الأمني. فاستغلت الديكتاتورية الدموية المتسلطة على الشعب مناسبة الأحداث لتصفية حسابات سياسية خاطئة مع من تعتقد أنهم أعداء لها. وبعد اتفاق رئيسي البلدين على ترحيل متبادل للرعايا قامت السلطات الموريتانية بإبعاد موريتانيين نحو السنغال.
والأدهى من ذلك أن سياط القمع طالت جميع المكونات الزنجية في البلد؛ محولة حياتها إلى جحيم لا يطاق.. مما أرغم الكثير من المواطنين على اللجوء إلى دول الجوار هربا من التنكيل والقتل على أيدي السلطات أو على أيدي المدنيين المسلحين من طرف أجهزة الدولة.
وكما عانى الموريتانيون في السنغال من شتى أشكال القمع والتجريد من الحقوق ومصادرة الممتلكات بأيد سنغالية آثمة.. فقد عانى موريتانيون آخرون من نفس الممارسات بفعل السلطات الموريتانية فكانت عمليات الإبعاد الجماعي.
توالت عمليات التسفير القسري بشكل متسارع ابتداء من شهر مايو 89 وامتدت حتى بداية 1990 شاملة جميع مناطق البلاد؛ سنتها قالت منظمة غوث اللاجئين إن عدد المرحلين بلغ 90 ألف نسمة في السنغال؛ في حين تحدثت عن وجود 20 ألف لاجئ في مالي، وتم وضع اللاجئين في مخميات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين بلغ عددها (216) مخيما في السنغال وخمسة عشر (15) مخيما في مالي.
ظلت الحكومة الموريتانية تنكر وجود مواطنين موريتانيين مبعدين من بلدهم؛ متهمة السنغال والمعارضة في الخارج -خاصة حركة Flam- باحتجاز مواطنين في المخيمات من أجل المتاجرة الدبلوماسية وتشويه سمعة موريتانيا في المحافل الدولية.
وأمام إصرار المبعدين واللاجئين على التمسك بهويتهم الموريتانية ومطالبتهم بحقوقهم، قبلت حكومة ولد الطايع -على مضض- الاعتراف بتجاوزات طالت فعلا المواطنين الموريتانيين.
وفي سنة 1995 قبلت الحكومة بمبدأ تنظيم عودة طوعية استفاد منها ثلاثون ألف نسمة تحت إشراف هيئة غوث اللاجئين. ولم يسترجع جل العائدين في ذلك البرنامج حقوقهم؛ مما أدى إلى رجوع عدد منهم إلى المخيمات.
ظلت المسألة محل تجاذب بين الأقطاب السياسية في الداخل والخارج، حيث أحزاب المعارضة التقليدية تطالب بالتعجيل بحل المسألة؛ بينما كانت أحزاب الأغلبية السابقة تتحفظ حتى على وجود مبعدين موريتانيين في الخارج.
وبعد الثالث من أغسطس تمسكت السلطات الجديدة بتحفظ اتجاه المسألة؛ رافضة الدخول في مسلسل للتسوية، متذرعة بتعقيدات المسألة وتداخلها مع قضايا قد تعكر صفو المرحلة الانتقالية، مع اعتراف صريح بوجودها. وخلال الانتخابات الأخيرة برز إجماع كامل على ضرورة حل المسألة بصيغة توافقية.
إن أبعاد مشكل المبعدين وانعكاساته خطرة للغاية على الوحدة الوطنية إذا لم تتم تسويتها في جو من التسامح والمصارحة؛ فعمليات 89 شهدت -ولأول مرة في تاريخ البلد- انتهاكات صارخة لحقوق المواطنة فسوغت استباحة حقوق الناس وممتلكاتهم بدون سبب غير إرادة جامحة لسلطة قاصرة.. لتصفية أجزاء عزيزة من شعبنا؛ كما أنها شكلت بداية منعطف في تاريخ التعايش السلمي الحافل بين كافة مكونات شعبنا.
إن على الجميع أن يتدارك بحكمة وحنكة ما أفسده السفهاء منا، ويستغل الفرصة المتاحة اليوم والوئام الوطني السائد بين كافة الأطياف السياسية من أجل تجاوز القضية بحلها بشكل عادل وسلمي يحفظ الحقوق ويحترم المصالح العليا للبلد.
يتواصل.....
تاريخ الندوة: السبت 07 يونيو 2007
ونشرت على حلقات في اعداد يومية السفير: 552-556