العالم في انتقال | صحيفة السفير

العالم في انتقال

ثلاثاء, 24/01/2017 - 10:25

في محاضرة للخبير الاقتصادي الامريكي جيرمي ريفكين يقول ان الانتاج الوطني لبلدان العالم مصاب بالركود وان الانتاجية الصناعية قد تقهقرت في العشرين سنة الماضية  والبطالة عالية في العالم اجمع والشركات العملاقة تواجه نوعاً من التشاؤم وهي تواجه ثورة صناعية جديدة. لكن هذه الثورة  ستكون جذرية ستؤثر على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً بصورة فعالة قد تؤدي الى تبدل النظام الرأسمالي القائم بصورة نوعية، كما يتنبأ الخبير.

  انظر

https://www.youtube.com/watch?v=yNIaVGghiNI

بطبيعة الحال تعمل الشركات الرأسمالية، باستخدام حكوماتها، على الدفاع عن نفسها. الا ان الحكومات القائمة فشلت حتى في حل الازمة الاقتصادية التي شملت العالم سنة 2008 بالرغم من الترليونات التي ضختها لانقاذ البنوك العملاقة من الافلاس. كل هذا اثرعلى الحالة السياسية في مختلف البلدان الغنية منها والفقيرة.

بدأ الركود السياسي في العالم الغربي ” المتمدن”، اولاً، بظهور البرلمانات القلقة، حيث لا يملك حزب واحد او مجموعة من الاحزاب الاكثرية الضرورية لتشكيل الحكومة. الامر الذي اثر سلباً بل معرقلاً للتطور الاقتصادي للشركات الصناعية منها والمالية. ولتلافي الضرر اضطرت الاحزاب الى الاندماج ببعضها، بغية تقليل الصراعات، والاكتفاء بحزبين رئيسيين. ثم اتفق الحزبان على تقريب مناهجهما لتحمي المصالح الاقتصادية  للمؤسسات القائمة تلك التي اندمجت مسبقاً لتكوين الشركات العملاقة العابرة للاوطان التي تجمع الخيرات للبلاد من اقصى اجزاء العالم، فمن الضروري ان يقترب اهداف الحزبين من بعضهما.

هكذا بدأ الركود السياسي، اذ ادرك الناخبون بأن الانتخابات لا تؤثر على حياتهم. لقد شاهدوا ان الشركات، المسيطرة على الحكومة، اخذت تنقل مصانعها الى البلدان الفقييرة للاستفادة من الايدي العاملة الرخيصة. من الجهة الاخرى انها تجلب وتستخدم العمال الاجانب من العالم الثالث، اولاً، ثم من اوروبا الشرقية و مؤخراً من اللاجئين الذين تركوا بلادهم لتجنب الحروب التي اشعلتها الدول الرأسمالية عمداً للتخلص من الازمة. هكذا انتشرت البطالة عند اصحاب العيون الزرقاء وانخفض اجور العاملين منهم. الامر الذي شجع الكثيرون على الامتناع عن التصويت في الانتخابات فانتشرت اللامبالات واستتب الركود السياسي.

لم يدم هذا الركود طويلاً لا في البلد الرأسمالي الواحد ولا في كل العالم. وفجأةً انتشرت ظاهرة جديدة في اوروبا وفي الولايات المتحدة. لقد انشق الناخبون وابتعدوا من الحزبين المتناوبين في الحكم. ففي بريطانيا، مثلاً، انشق اليمين المتطرف من حزب المحافظين وشكل (( حزب الاستقلال البريطاني UKIP )) وتمكن الحزب من نيل عطف المتضررين من  العمال والعاطلين الذين نالوا من منافسة النازحين من اوروبا الشرقية. وصوت هؤلاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي الذي يسمح هجرة الايدي العاملة.

من الجهة الاخرى انشق اليسار في حزب العمال من اتباع توني بلير وصوت لجرمي كوربين، المكروه من قبل اعوانه النواب والمعروف بجرأته على فضح تطرف الطبقة الحاكمة. وبسرعة خارقة انظم اليه الاكثرية الساحقة من اعداء بلير وبين عشية وضحاها تحول الحزب الى الحزب الاكبر في عموم اوروبا.

وهذا ماحدث في الولايات المتحدة ايضاً. حيث ذهب اليسار ليصوت للشيخ المسن ساندرز ضد هيلاري كلينتون بينما اتجه معظم اليمين ومعهم الفقراء لانتخاب ترامب الذي لا يملك اية خبرة حكومية. وكذا الحال في فرنسا حيث يتجه الغاضبون الى اليمين المتطرف لمارين لوبين المعادية للاتحاد الاوروبي. وفي ايطاليا اتجهت الطبقة العاملة والمتوسطة نحو حزب تقودها بنت الفاشست موسوليني. وفي كل من اليونان وبولندة هناك اكثر من قوة تود الخروج من الاتحاد الاوروبي تخلصاً من الطغيان الالماني. اما تركيا فتعبت من التحقير الذي نالته من الاتحاد الاوروبي ومن مؤامرات امريكا واتجهت صوب روسيا بل وحتى نحو ايران.

اما في المنطقة العربية فقد قام المستعمرون الامريكان، بحجة الديمقراطية او بحجة محاربة التطرف الاسلامي او بحجة الربيع العربي بنشر الفوضى الخلاقة لتحطيم العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال وهي الآن تركز على مصر وايران والسعودية بحجة محاربة الارهاب او الطائفية. فالاسباب مختلفة والنتائج شنيعة.

يعتقد المحللون بأن ما حدث من التطورات في الغرب سيولد تبدلاً نوعياً للسياسة الدولية. وهذا ما يؤكده الرئيس ترامب نفسه. انه يعمل على تبديل محتويات المعسكرين المتنافسين.

ففي المعسكر الغربي انه يعمل على تقليص سيطرة المانيا على الاقتصاد الاوروبي المنافس لأمريكا. للاستفادة من خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي اعلن ترامب عن ابرام اتفاقية جديدة معها لمنافسة المانيا. انه يأمل ان يعزل المانيا عن طريق تشجيع بلدان اخرى مثل اسبانيا وايطاليا وحتى فرنسا على الخروج من الاتحاد الاوروبي لتبقى المانيا مبتلية بالدول الضعيفة في اوروبا الشرقية والدول الصغيرة في غربها. وحين يهاجم حلف الاطلسي انه يعرّض المانيا لمجابهة روسيا دون مساندة فعالة.

يدرك ترامب ضعف بل انهيار الدول في الشرق الاوسط فيعمل على تسليم شؤون هذه البلدان لاسرائيل، بينما ينقل ترامب اساطيله البحرية الى الشرق الاقصى لمجابهة الصين، الدولة النامية بسرعة فائقة والمنافسة لامريكا. بعد فوزه في الانتخابات اتصل ترامب بالسياسي المحنك هنري كيسنغر ليعمل على احداث الشقاق بين روسيا والصين. لقد لعب كيسنغر بنجاح دوراً اقتصادياً وسياسياً رئيسياً في توسيع الخلافات بين الاتحاد السوفياتي والصين في السبعينات من القرن الماضي عن طريق مساندة الصين، الضعيفة حينها، ضد الدولة السوفياتية العظمى. اما الآن يعمل ترامب مع كيسنغر لتشجيع روسيا ضد الصين.

كل هذا قد يؤدي الى التقارب بين الصين والمانيا. يؤكد الخبير جيرمي ريفكين في محاضرته بالمانيا على هذا التقارب عن طريق مشاركة  البلدين في انتاج الاجهزة اللازمة لاستغلال الطاقة الشمسية والهوائية وبناء السدود لانتاج الكهرباء. و يقول رفكين بأن الصين وحدها خصصت، كدفعة اولى، 82 مليار دولار لهذا الغرض. بينما قدر التلفزيون البريطاني قيام الصين بصرف 300 مليار دولارعلى المراوح الهوائية وحدها.

في شرحه لتبدل العالم الراسمالي لا يشير رفكين الى دراسات كارل ماركس التي تؤكد على انهيار الراٍسمالية وولادة ونمو الاشتراكية. الا انه يركز، مثل ماركس، على التطورات التقنية التي ستنهي طغيان الرأسمالية واضمحلالها في العشرين السنة القادمة. انه يتوقع تحول الرأسمالية الى نظام المشاركة (Sharing economy) بدل الاشتراكية. انه يشير الى ((انتشار  الديمقراطية)) و(( تخلص الفرد من الخضوع لاستغلال الشركات العملاقة.)) بدل نهاية ((استغلال الانسان للانسان)) و((تحرر الانسان من اغلاله)) الاقتصادية والسياسية كما تنبأ ماركس.

مثل كارل ماركس يشير ريفكين بتفصيل الى ان الاختراعات العلمية هي التي تولد الثورة الصناعية الجديدة في نطاق العالم كله. انه يخصص ثلاث مجالات في هذا الصدد:

1 – ثورة الاتصالات بين الناس وهذه تمت وتطورت بسرعة فائقة عن طريق الانترنيت. وقد بلغ التطور في هذا المجال وشمل ثلاث بلايين انسان الذين يتصلون ببعضهم البعض مجاناً او (( بكلفة قريبة من الصفر)) لتبادل المعلومات بل لقراءة الكتب والجرائد والاستماع الى الموسيقى بكل اللغات والى المحاضرات ولشراء مختلف الحاجيات وفوائد اخرى لا تحصى.

2 – انتاج الطاقة الوطنية والفردية بسعر بخس في المحطات الكهربائية بعد التخلص من الوقود الكاربونية، كالفحم والبترول، واستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمولدات الكهرومائية على السدود واستخراج الماء الساخن من باطن الارض، كما يجري حالياً في برمنغهام البريطانية. هناك الآن ملايين من البيوت المجهزة باللوحات الشمسية، التي تقلل من كلفة شراء الطاقة من الشركات. يقول ريفكين ان المانيا تنتج 27% من طاقتها من الشمس والرياح وسوف تصل هذه النسبة الى 100%  حوالي سنة 2040.

3 – ثورة التنقلاتMobility)  ) عن طريق انتاج السيارات الكهروشمسية، حيث يشترك اكثر من شخص في استخدام السيارة الواحدة علاوة عن استخدام الباصات والقطارات فينهار كلفة التنقل ويقل عدد السيارات.

بالطبع سوف تشمل هذه الثورة البلدان المتقدمة والكبيرة قبل البلدان الصغيرة والمتخلفة. بالتأكيد سوف تضمحل الرأسمالية بل يتقلص او ينتهي دور الاستعمار الذي هو اعلى مراحل الرأسمالية. عند ذلك تعيش البشرية حياة كريمة تستحقها. او هكذا يتمنى المفكرون.  مع شكري للاخ ماجد علاوي لارشادي.

البروفيسور كمال مجيد