اختيار كوادر التهذيب.. من يقف وراء استباق برنامج الرئيس؟ | صحيفة السفير

اختيار كوادر التهذيب.. من يقف وراء استباق برنامج الرئيس؟

جمعة, 27/01/2017 - 13:58

شهدت نهاية العام الدراسي المنصرم إجراءات متلاحقة واستعجالية كان من أكثرها إثارة للجدل قرار وزيرة التهذيب الوطني إجراء امتحان لتقويم المدرسين وضبط العاملين في قطاع التعليم من خلال وضع قائمة بكل المعلومات المتعلقة بمن يحسبون على القطاع.

ورغم الإمكانيات الكبيرة التي رصدت لهذا الحدث وما شابه من تجاذبات ومواقف مختلفة ما بين مؤيد لإجراء الوزيرة ومناوئ له، ومشكك في دوافعه وأهدافه.. إلا أن نبغوها بنت محمد فال اعتبرت -حسب مصادر قريبة من الوزارة- أن امتحان التقويم لم يكن ذا قيمة كبيرة، أكثر من كونه مكن من إحصاء العاملين في السلك التربوي..

ما إن انقشع غبار معركة امتحان التقويم الذي فرضته وزيرة التهذيب الوطني نبغوها بنت محمد فال مؤخرا، وقسم القطاع إلى محورين أحدهما يدعم الوزيرة في نهجها، ويرتكز على بعض كبار المسؤولين المركزيين، والآخر يعتبرها ارتجالية في قراراتها وضحية لمستشارين ومعاونين درجوا على إبقاء قطاع التعليم في وضعية من التسيب والتخبط بعيدا عن أي إصلاح أو برمجة من شأنها إرساء قواعد سليمة لاستراتيجية تربوية واضحة المعالم تمكن من الرفع من مستوى النظام التربوي الوطني وجعله على مستوى التحديات المتجددة.. حتى حركت الوزيرة من جديد الساحة التربوية وهي في بدايات العطلة الصيفية؛ فقد أصدرت نغبوها بنت محمد فال قرار بإلغاء المعايير التي كانت متبعة في تعيين المديرين الجهويين والمفتشين على مستوى المقاطعات..

وبموجب المذكرة  الصادرة بهذا الخصوص يوم أمس، تبنت الوزارة نظام المسابقة المفتوحة أمام أطر القطاع المندرجين ضمن فئة "أ" والذين يستجيبون لمعايير وشروط تتلخص في الآتي:

أقدمية لا تقل عن عشر سنوات في الوظيفة.
خبرة لا تقل عن خمس سنوات من المسؤولية في الإدارة المسؤولية أو الجهوية أو في تسيير مؤسسات عمومية أو تربوية.
الازدواجية اللغوية من خلال التمكن من اللغتين العربية والفرنسية حديثا وكتابة.
التحكم في الأجهزة المعلوماتية عبر إتقان برامج "وورد" و"اكسل" وخدمة الرسائل على الأقل.
القدرة على العمل الجماعي والتمتع بروح الانفتاح.
التعلق بمبدأ إتقان العمل
القدرة الجيدة على التواصل
السمعة الطيبة، والاستقامة الخلقية.
إعداد مشروع تنموي يمتد على ثلاث سنوات لتطوير قطاع التهذيب في الولاية المختارة بخصوص المدير الجهوي.
رسالة تبرز مدى اهتمام المترشح بالوظيفة المطلوبة، وتحدد الإدارة الجهوية التي يترشح لها أو المفتشية؛ مع إلزامية أن لا تكون ولايته الأصلية.
سيرة ذاتية حديثة موقعة ومؤرخة، توضح مؤهلات ومزايا المترشح.
مشروع تنموي يجسد رؤية المترشح للنهوض بالتعليم في الولاية.

المذكرة الصادرة عن الوزيرة أوضحت أن لجنة يرأسها الأمين العام لوزارة التهذيب الوطني عهد إليها بتقويم ملفات المترشحين، وأن نتائج الخمسة الأولين لكل إدارة ستحال إلى الوزيرة، فيما حدد تاريخ 15 أغسطس لتقديم الترشحات.

وطبقا للمذكرة فإن وزيرة التهذيب الوطني تعين بموجب مقرر -وبناء على النتائج- من تختاره مديرا جهويا للتهذيب الوطني أو مستشارا لمدة 4 سنوات..

وبينت المذكرة أن المدير الجهوي للتهذيب الوطني يتمتع برتبة مدير بالإدارة المركزية، فيما يحظى مفتش المقاطعة برتبة رئيس مصلحة.

العربة أمام الحصان

الشروط والمعايير التي حددتها مذكرة وزيرة التعليم الوطني توحي بأن اختيار المديرين الجهويين للتهذيب أمر محسوم مسبقا..

ذلك أن اشتراط أقدمية لا تقل عن عقد من الزمن في الوظيفة العمومية، وتجربة خمس سنوات على الأقل لمسؤولية في الإدارة المركزية أو الجهوية أو في تسيير مؤسسات عمومية أو تربوية من شأنه حصر هامش الاختيار والحد من الترشحات.. كما أن اشتراط الازدواجية اللغوية في نظام تربوي قام على الفصل في مجال اللغات طيلة عقود متتالية يزيد من ضيق هامش المناورة لدى الراغبين في الترشح؛ وبالتالي تقليص الخيارات.. هذا فضلا عن فرض القدرة على التعامل مع الأجهزة المعلوماتية التي لم يكتب لغالبية أطر القطاع طيلة مسارهم المهني أن باشروها عن قرب.

بيد أن اللافت في هذا المجال هو وضع شروط فضفاضة من قبيل "التعلق بالعمل المتقن" و"القدرة الجيدة على التواصل" و"القدرة على العمل الجماعي" و"السمعة الطيبة" و"الاستقامة الخلقية" فهذه متروكة لمزاج من يتولون تقييم الملفات؛ وفوق ذلك لقرار الاختيار الأخير الذي هو من صلاحيات الوزيرة وحدها؛ والتي لها أن تختار -وفق المذكرة- من تعينه مديرا جهويا أو مفتشا بناء على التقييم الذي يتولاه طاقمها المباشر بقيادة الأمين العام.

مذكرة وزيرة التهذيب الوطني تضمنت ما يمكن اعتباره مفارقة غير مسبوقة في تاريخ القطاعات الحكومية على اختلافها وتعدد اختصاصاتها؛ فالقطاع الذي يفترض أن تكون لديه استراتيجية وطنية واضحة المعالم والأسس للنهوض بالتعليم في البلد، يشترط على المترشحين للإدارات الجهوية إعداد مشروع تنموي في هذا المجال.. وكأن المعني خبير استشاري يعد الدراسات والبرامج؛ ولعل المفارقة تكمن أساسا في هذا الجانب؛ إذ أن أي خبير استشاري متمكن -حتى وإن كان إطارا في قطاع التهذيب الوطني- لن يضيع وقتا في الترشح لهذه المسابقة؛ لأن ما تدره خبراته ودراساته من مداخيل يغنيه عن تجشم عناء التدرب على "أكسل" و"وورد" وإعداد مشاريع ودراسات مجانية لشغل وظيفة في الوزارة..

الخطوات المتسارعة لوزيرة التهذيب الوطني تثير أكثر من علامة استفهام.. خاصة وأنها تتسم بالكثير من الارتجالية والتسرع غير المبرر..

فرئيس الجمهورية ضمّن برنامجه الانتخابي تنظيم أيام تشاورية وطنية لتشخيص واقع التعليم ووضع أسس مدروسة لإصلاحه وتطويره.. ولا شيء يمكن أن يبرر استباق نبغوها بنت محمد فال شروع الحكومة في هذه الخطوة التي يفترض أن توكل مهمة تجسيدها إلى القطاع الذي اختارها رئيس الجمهورية أصلا لتوليه..

ويرى عدد من المهتمين بقطاع التهذيب الوطني والعارفين بأروقته أن الوزيرة الحالية اختزلت التشاور الذي وعد به الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في نظرتها الخاصة ورؤية بعض من تستشيرهم في هذا المجال؛ مما يحيل إلى الاعتقاد بأنها تجتهد في إجهاض مشروع الإصلاح الذي وعد به الرئيس؛ والقائم على أوسع قدر من التشاور والتأني، أو على الأقل فرض واقع على الأرض قبل الشروع في هكذا عملية إصلاح شاملة.

ويؤخذ على الوزيرة اهتمامها الزائد بدوائر التعيينات وتوزيع الأدوار على حساب تشخيص مشكلات القطاع ومعالجة عوائق تطويره وإصلاحه.. فبدلا من شغل الناس بمسائل تتعلق بالأشخاص وتوزيع المهمات، يرى كثيرون أنه كان من الأجدى أن تهتم بنت محمد فال بالبنى التحتية المتردية جدا.. خاصة وأن ترميم المدارس وتوفير ظروف الدراسة الأساسية خلال العطلة يوفر الوقت والجهد في مسائل أساسية..

وأن الاهتمام بالتعليم ينبغي أن يبدأ بزرع روح الدراسة بين التلاميذ من خلال أساسيات التربية المدنية وربط التلاميذ بالمدرسة عبر إجراءات عملية لا تكلف كثيرا ولا تثير زوابع قد تؤدي لنتائج عكسية من قبيل خلق صراعات داخل الأسرة التربوية على أساس امتيازات لهؤلاء وإقصاء لأولئك.. ولعل في طليعة تلك الإجراءات توحيد الزي المدرسي لتجذير روح المساواة بين التلاميذ وتجنب التسرب المدرسي الناجم عن الفوارق بين أبناء الأثرياء والفقراء.. بين من يلبسون آخر صيحات الموضة ومن يرتدون أثوابا بالية مرقعة تؤثر على أداء المدرسين الذين يصعب عليهم في تلك الحالة معاملة أبناء أصحاب النفوذ والجاه والأبهة بنفس المعاملة التي يعاملون بها تلامذتهم ذوي المظاهر البائسة.. ويتولد عن ذلك بالضرورة تنامي الشعور بالدونية عند هؤلاء؛ مما قد يدفع بهم إلى طريق الانحراف بهدف فرض نوع من التوازن مع زملائهم الأوفر حظا..

 

السالك ولد عبد الله

السفير؛ العدد 569 الصادر بتاريخ: 02 اغسطس 2007